أما القول بالتفصيل، فحيث إنا لم نقل به في المنافع المستوفاة فلا نقول به هنا أيضا، لأن القائل بعدم الضمان في صورة العلم بالفساد إنما توهم ذلك من جهة أن المالك قد سلط القابض على ماله لكي يتصرف فيه كيف يشاء، ولكنا ذكرنا فيما سبق أن إذن المالك في مورد بحثنا إنما كان مشروطا بحصول الملكية الشرعية وهي لم تحصل، والمفروض أنه لم يحصل هنا إذن آخر جديد، وإذن فالمسألتان من حيث الضمان وعدمه سيان.
أما القول بالتوقف، فالظاهر أنه لا يعد رأيا خاصا في المسألة، بديهة أن واقع التوقف ليس إلا إظهار الجهل بالحكم، ومن البين الذي لا ريب فيه أن الجهل بالحكم لا يعد قولا برأسه، وإذن فيبقي القولان الأولان أعني بهما القول بالضمان على وجه الاطلاق والقول بعدمه كذلك.
ويحسن بنا أولا أن نقدم مقدمة أمام البحث عن هذين القولين، وحاصلها:
أن الغاصب إنما يضمن العين المغصوبة للمغصوب منه بجميع خصوصياتها الشخصية والنوعية للسيرة القطعية العقلائية، فإنها قائمة على أن الانسان إذا وضع يده على مال غيره على سبيل القهر والعدوان لزم عليه رده على مالكه بجميع خصوصياته وشؤونه، ومن الواضح أن منافع المال تعد من شؤونه، سواء أكانت مستوفاة أم لم تكن كذلك، فتكون مضمونة على القابض.
ويضاف إلى هذه السيرة أمران:
ألف - قاعدة من أتلف مال غيره فهو له ضامن، وقد عرفت قريبا أن هذه القاعدة مأخوذة من الأخبار الكثيرة الواردة في مواضيع شتى، ومن الواضح أن الغاصب قد أتلف المنافع المترتبة على المغصوب فتكون مضمونة عليه.