وعلى هذا الضوء، فإذا أراد أحد تبديل كتابه بكتاب شخص آخر أو تبديل ثوبه بثوب غيره لمجرد دفع الاحتياج، فإنه لا يتوهم أحد أن أيا منهما باع كتابه بكتاب غيره أو باع ثوبه بثوب غيره، كما أنه لا يتوهم أحد أيضا أن باذل النقد هو البائع وباذل العرض هو المشتري، ومن هنا ذكر الفيومي في المصباح أنه: إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة (1).
وأما ما ذكره في المصباح، من أن الأصل في البيع مبادلة مال بمال، فهو وإن كان شاملا لجميع أقسام المبادلة ولكنه ليس تعريفا حقيقيا، لقضاء الضرورة بأن البيع ليس هو مطلق المبادلة بين شيئين، بل هو تعريف لفظي، وتبديل لفظ بلفظ آخر أوضح منه، كقول أهل اللغة: السعدان نبت (2)، وكذلك الحال فيما ذكره بعض العامة من أن البيع في اللغة مقابلة شئ بشئ.
ثم إنه يمكن أن يراد من لفظة الأصل في تعريف المصباح ما كان هو المتعارف في الأيام السالفة، من كون البيع عبارة عن مطلق المبادلة بين الأموال، بديهة أنه لو كان غرض الفيومي من هذه الكلمة هو اللغة لوجب عليه أن يصدر كلامه بلفظة الأصل عند شرح كل مادة ترد عليه.
وقد وقع التصريح بما ذكرناه في لسان العرب ومجمع البحرين في مادة المال، وذكرا أن المال في الأصل الملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويتملك من الأعيان (3).