الواهب، فيستكشف من ذلك أن حقيقة الهبة متقومة بالتمليك المجاني، وهذا بخلاف البيع فإنه متقوم باعتبار التبديل بين العوض والمعوض واظهاره بمبرز خارجي، وعليه فيستحيل تحقق مفهوم البيع بتمليك البائع فقط، أو بتمليك المشتري فقط (1).
1 - ربما يتوهم انتقاض التعريف بقسم آخر للهبة المعوضة الذي لم يتعرض له المصنف، وهو أن يهب الواهب ماله للمتهب على أن تكون داره مثلا للواهب بعنوان شرط النتيجة.
ولكنه أيضا أجنبي عن حد البيع، بداهة أن الدار وإن صارت ملكا للواهب بقبول المتهب الهبة، إلا أن ذلك من ناحية الشرط دون العقد، ولذا لو فرض فساد الشرط - لعدم كون الدار ملكا للمشروط عليه أو من جهة أخرى - لم تبطل الهبة، بناء على ما هو المشهور بين الأصحاب من أن فساد الشرط لا يسري إلى العقد، وهذا بخلاف البيع، فإن العوض فيه يصير ملكا للبائع بنفس العقد لا من قبل الشرط.
ثم إنه لا وجه لما ذكره المصنف (رحمه الله) من حصر تمليك العين بالعوض في البيع، وتحقيق ذلك في نواحي شتى:
1 - ما أفاده المصنف، من أنه لا معنى للرجوع إلى الأصل بعد انحصار التمليك بالعوض في البيع وعدم صدقه على غيره.
وفيه أن التمليك بالعوض غير منحصر في البيع، بل له صنف آخر غير البيع كتبديل عرض بعرض، أو نقد بنقد، أو منفعة بمنفعة، من دون أن يجعل أحد العوضين ثمنا والآخر مثمنا، فإن ذلك خارج عن حدود البيع وإنما هو قسم خاص من المعاملات المعاوضية، وتدل على صحته آية التجارة عن تراض - النساء: 33.
2 - أنه إذا وجدت معاملة في الخارج وشك في أنها بيع أو غيره حملت على البيع، لغلبته على سائر أفراد التمليك بالعوض، وقد حقق في محله أن الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب.
وفيه أنه لا دليل على حجية الغلبة، وإذن فالظن الحاصل منها لا يغني من الحق شيئا، ويضاف إلى ذلك أن بقية أفراد التمليك بالعوض ليست بنادرة، غاية الأمر أن أفراد البيع أكثر من غيرها.
3 - إذا أنشئ التمليك بالعوض بصيغة البيع واحتملنا إرادة المعنى المجازي من ذلك كالصلح والهبة المعوضة - حمل على البيع، لأصالة الحقيقة التي ثبتت حجيتها ببناء العقلاء واجماع العلماء وسيرة الرواة وديدن حملة الحديث.
وفيه أن الأصل بهذا المعنى وإن كان صحيحا، بل موردا للتسالم، ولكن الظاهر أنه ليس مراد القائل، كما هو واضح للمتأمل.