المفيدة للسببية في كلمة الباطل ومقابلتها في الآية مع التجارة عن تراض قرينتان على أن الآية الشريفة في مقام تمييز الأسباب الصحيحة عن الأسباب الفاسدة.
ثم إن المراد من الأكل في الآية المباركة ليس هو الازدراد - على ما هو معناه الحقيقي - وإنما هو كناية عن تملك مال الناس من غير استحقاق شرعي، سواء أكان المال المزبور من المأكولات أم كان من غيرها.
وقد تعارف استعمال كلمة الأكل في التملك في الكتاب الكريم وفي كلمات الفصحاء، بل وفي غير العربية أيضا، ومن ذلك قوله تعالى:
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (1).
ثم إن الاستثناء في الآية المباركة، سواء أكان متصلا - كما هو الظاهر - أم كان منقطعا يفيد حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض، أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فلأن الاستثناء المنفصل وإن كان لا يفيد الحصر بنفسه، ولكن الله تعالى حيث كان في مقام بيان الأسباب المشروعة للمعاملات وفصل صحيحها عن فاسدها وكان الاهمال مخلا بالمقصود، فلا محالة يستفاد الحصر من الآية بالقرينة المقامية.
ونتيجة ما ذكرناه حول الآية الكريمة أنه لا يجوز تملك أموال الناس بسبب من أسباب المعاملات إلا أن يكون السبب المملك هو التجارة عن تراض، ومن الواضح الذي لا ريب فيه أن بيع المكره لا يعد من التجارة عن تراض فيكون فاسدا.