أما الوجه في تخيير الضامن بين أداء المثل والقيمة، فهو أن الضامن يعلم اجمالا باشتغال ذمته بأحد أمرين: أما المثل أو القيمة، ومقتضى الاحتياط هو تحصيل القطع بالبراءة، لما عرفته الآن من أن المورد من قبيل دوران الأمر بين المتبائنين، ومن الواضح أن القطع بفراغ الذمة في أمثال هذه الموارد لا يحصل إلا بأداء كلا الأمرين لكي تحصل الموافقة القطعية، ولكن مقتضى الاجماع بل الضرورة بل مقتضى قاعدة نفي الضرر هو أن الضامن لا يلزم بأداء كلا الأمرين، وإذن فيكون مخيرا بين أداء المثل وأداء القيمة.
أما الوجه في تخيير المالك بين مطالبة المثل ومطالبة القيمة، فهو ما ذكره بعض من أن ذمة الضامن وإن كانت مشغولة إما بالمثل أو بالقيمة إلا أن ما يختاره المالك، إما هو البدل الواقعي أو أنه بدل البدل، وعلى كلا التقديرين فيكون ذلك مسقطا لما في ذمة الضامن، أما على الأول فواضح، أما على الثاني فلرضاء المالك بذلك على الفرض، وإذن فما يختاره المالك مسقط لما في ذمة الضامن قطعا دون غيره، لأنه مشكوك فيه فالأصل عدم سقوطه إلا بما يختاره المالك.
ويرد على كلا الوجهين أن اشتغال الذمة بالمثل أو بالقيمة واقعا وقيام الاجماع والضرورة على عدم وجوب أدائهما معا لا يقتضيان تخيير الضامن بين أداء المثل والقيمة، ولا تخيير المالك في استيفاء أيهما شاء، بل يمكن تعيين ما في الذمة بالصلح القهري، بأن يرجع الضامن والمالك كلاهما إلى الحاكم الشرعي ويحكم الحاكم بذلك، ويمكن أن يرجع في تعيين أحد الأمرين إلى القرعة، بناءا على جريانها في كل أمر مشكل ولو كان في الشبهات الحكمية، ولكن الظاهر تسالمهم على عدم جريانها في الشبهات الحكمية.