وبيان ذلك: أن العقود قد يعتبر فيها القبول وقد لا يعتبر فيها إلا الرضاء بفعل الموجب بلا حاجة إلى انشاء آخر غير ما صدر من الموجب:
أما القسم الثاني فيما أنه لا يعتبر فيه القبول ويكفي فيه مجرد الرضاء لم يفرق فيه بين تقدم الرضاء وتأخره، فلو استدعي زيد عمروا في بيع داره فأذن له صح لزيد بيعها وإن لم يتحقق منه انشاء لقبول الوكالة.
نعم هذا القسم من الوكالة الإذنية - التي تتقوم بالإذن الساذج - لا يترتب عليه حكم الوكالة العهدية - التي تقوم بالالزام والالتزام من الطرفين - وعليه فإذا رجع عمرو عن إذنه لم يصح بيع زيد بعده وإن لم يبلغه الرجوع.
ومن هذا القبيل العارية والوديعة فإنهما أيضا لا يحتاجان إلى القبول، ويكفي في تحققهما مجرد رضاء المستعير والمستودع بانشاء المالك، بل وكذلك الحال في الوصية، فإذا أوصى بمال لزيد لم يعتبر في صحتها إلا رضاء زيد بالتمليك من دون حاجة إلى القبول.
وعلى الجملة إن الحاجة إلى الرضاء في هذه العقود كالحاجة إلى رضاء الزوجة في صحة التزويج علي بنت أختها أو بنت أخيها، ومعه لا موجب لاعتبار تأخر القبول في العقود المزبورة، لأنه يكفي فيها مجرد الرضاء، سواء تأخر عن الايجاب أم تقدم عليه.
أما القسم الأول - أعني به العقود العهدية - فهو لا يوجد في الخارج إلا بانشاء المعاهدة والمعاقدة من الجانبين، ولكن لا دليل على كون أحد الانشائين معنونا بعنوان الايجاب وكون الآخر معنونا بعنوان القبول - بمعناه المطاوعي - لكي يستحيل تقدم الثاني على الأول، بل ذكرنا قريبا أنه إذا صدق على المنشأ بهما عنوان من عناوين المعاملات - كالعقد