أما القسم الأول - أعني به وقوع المقابلة بين المملوكين - فهو المصداق الواضح للبيع المعاطاتي، فيكون مشمولا للعمومات الدالة على صحة البيع ولزومه، وتترتب عليه أحكامه وآثاره، وقد فصلنا ذلك في الأمر الأول.
وأما القسم الثاني - أعني به وقوع المبادلة بين التمليكين - فلا نعقل له معنى محصلا، بديهة أن حقيقة البيع عبارة عن اعدام إضافة مالكية عن كل من العوضين وايجاد إضافة أخرى مالكية في كل منهما من دون أن يلزم منه تبديل سلطنة المالك بسلطنة أخرى، لكي يحتاج ذلك إلى وجود سلطنة ثالثة، وهكذا حتى يلزم منه التسلسل، وهذا بخلاف مقابلة التمليك بالتمليك فإنها تحتاج إلى وقوع المقابلة بين السلطنتين وهو يحتاج إلى سلطنة أخرى، وهكذا إلى غير النهاية، وإذن فمقابلة التمليك بالتمليك بعيد عن حدود البيع.
وأضف إلى ذلك أن مفهوم البيع إنما هو انشاء تبديل عين بعوض، وقد تقدم ذلك عند البحث عن تعاريف البيع، ومن المعلوم أن التمليك بنفسه من قبيل الأفعال فلا يقع مبيعا.
ثم إن من المستحيل نقل التمليك إلى غيره بدأ باعطاء العين أو بقبول ملكيتها، بل لا بد في نقل التمليك من انشاء آخر يتضمن ذلك، كقوله:
ملكتك تمليكي العين الفلانية، أو بأن يشترط التمليك في ضمن عقد لازم بأن باع داره من شخص واشترط في ضمن البيع أن يملكه ماله الفلاني، بحيث يكون متعلق الشرط نفس التمليك دون المملوك.
وعلى الجملة أن الملكية الشرعية اعتبار شرعي غير قابل للتمليك، والتمليك العقدي فعل من أفعال العاقد، وهو وإن كان قابلا للتمليك إلا أنه غير قابل له بتمليك المال لفظا بمثل ملكت، أو باعطاء المال فعلا.