الخيارين عن الآخر، مع أن الانفكاك بينهما من الوضوح بمكان، بديهة أن النسبة بينهما هي العموم من وجه، إذ قد يسقط خيار المعاطاة ويبقى الخيار المصطلح، وقد يسقط الثاني ويبقى الأول، وقد يجتمعان سقوطا وبقاء، وإذن فلا محذور في اجتماع خيار المعاطاة مع الخيارات المصطلحة ثبوتا واثباتا، وهذا واضح لا ريب فيه.
أما التفصيل المتقدم الذي احتمله المصنف، فهو واضح الاندفاع نقضا وحلا:
أما الأول: فلأنه لو تم ذلك التفصيل في المعاطاة لجرى مثله في البيع بالصيغة أيضا، طابق النعل بالنعل والقذة بالقذة، لأنه إذا اجتمعت فيه عدة من أسباب الخيار، وقد فرض أن دليل كل واحد منها مخصوص بعقد، كان وضعه على اللزوم من غير ناحية هذا الخيار، لزم الحكم بعدم اجتماع الخيارات فيه أيضا، مع أنه لم يلتزم بذلك أحد.
أما الثاني: فلأن أدلة الخيارات، وإن اختصت بعقد كان طبعه على اللزوم، ولكن لزومه إنما هو مع قطع النظر عن ثبوت خيار آخر فيه، بمعنى أنه إذا وجد عقد في الخارج ولم يقترن بما يقتضي جوازه كان ذلك العقد لازما في نفسه، وهذا لا ينافي جوازه من الجهات الأخر العارضة.
وقد أشير إلى هذه النكتة القيمة في أخبار خيار المجلس، التي تدل على أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع (1)، فإن الظاهر من وجوب البيع ولزومه في تلك الروايات إنما هو لزومه من ناحية خيار المجلس فقط، وهو لا ينافي جواز البيع من ناحية خيار آخر.