وعليه فالمعاطاة بيع حقيقة فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في البيع اللفظي من الشروط غير الصيغة، بديهة أن الشارع وإن لم يمض الملكية المنشأة بالمعاطاة إلى زمان خاص وحكم بإباحة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة في هذا الزمان، إلا أن ذلك لا يخرج المعاطاة عن كونها بيعا عرفا وشرعا، كما أن حكمه بتوقف حصول الملكية على القبض في بيع الصرف والسلم لا يخرجهما عن حقيقة البيع.
2 - أن مقصود كل من المتعاطيين إنما هو تمليك ماله لصاحبه بإزاء ما يأخذه منه، وليس غرضهما من هذا التمليك بالعوض إلا ايجاد البيع، وحيث إنه فاقد للصيغة فيحكم بفساده كسائر المعاملات الفاقدة لشروطها، ولكن قام الاجماع على جواز التصرف للآخذ فيما أخذه بالمعاطاة، ولم يقم دليل على ذلك في سائر المعاملات الفاسدة، وبما أن الاجماع دليل لبي فيقتصر فيه بالمقدار المتيقن، وهو أن تكون المعاطاة واجدة لجميع شرائط البيع، حتى الشروط التي وقع الخلاف في اعتبارها فيه إلا الصيغة.
وعلى الجملة أن ما قصده المتعاطيان لم يقع في الخارج، وقد قام الاجماع على جواز التصرف لكل منهما فيما أخذه من صاحبه، وأيضا قد اقتضت الضرورة الشرعية حرمة التصرف في مال غيره بدون إذنه، فالجمع بين هذه الأمور يقتضي جواز التصرف في المورد المتيقن، وهو البيع الجامع للشرائط.
وقد اتضح لك مما بيناه أنه لا يفرق فيما ذكرناه بين أن يكون اعتبار الشرط في البيع من ناحية الدليل اللفظي وبين أن يكون ذلك من ناحية الاجماع، فإنه على كل تقدير لا يجوز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة إلا مع احتواء المعاطاة جميع شرائط البيع إلا الصيغة.