بعد ان نقل عن العلامة في المنتهى أنه قال لو استناب من جاء بعد حدث الامام فالوجه الجواز بناء على الأصل ولأنه جاز استنابة التابع فغيره أولى ما لفظه لا يخفى ما في هذا التعليل العليل وكأنه غفل عن الأخبار الواردة من هذا القبيل وهي الرواية التاسعة والعاشرة اي خبر زرارة وجميل فان ظاهر الخبرين المذكورين ما ذكرناه فان قوله اخذ بيد رجل فأدخله وقدمه يدل على أنه ليس من المأمومين وانما ادخله الامام بعد اعتلاله ولهذا انه لم يعلم ما صلى القوم وظاهره انه يصلى من حيث قطع الامام كما يدل عليه قوله في الخبر العاشر وبنى على صلاة الذي كان قبله وانه انما يصلى بهم ذلك القدر الناقص خاصة وهو حكم غريب لم يوجد له في الاحكام نظير فان هذه الصلاة بالنسبة إلى هذا الداخل انما هي عبارة عن مجرد الأذكار وان اشتملت على ركوع وسجود والا فإنها ليست بصلاة حقيقة ثم ذكر جملة من القرائن المؤيدة لما استظهره إلى أن قال فان هذا كله انما يبتنى على رجل خارج من الصلاة لم يدخله الامام الا بعد اعتلاله وهو صريح عبارة العلامة المتقدمة فهو انما يبتدئ بالصلاة من حيث قطع الأول فلو فرضنا ان الأول انصرف عن ركعتين أتم هذا الرجل الداخل بالمأمومين الركعتين الأخيرتين خاصة وهكذا قال في المنتهى أيضا لو استخلف من لا يدري كم صلى فالوجه انه يبني على اليقين فان وافق الحق والا سبح القوم فيرجع إليهم ثم نقل أقوالا عديدة عن العامة ثم احتج برواية زرارة المتقدمة وبالجملة فالحكم المذكور في غاية الغرابة ولم أقف على من أوضح عن الكلام فيه ولا تنبه لما ذكرناه انتهى أقول اما حكم الأصحاب بجواز استخلاف الأجنبي فمرادهم ليس الا ما أوضحناه واستدلال العلامة له بالأصل والأولوية أيضا مؤيد لذلك ضرورة ان الأجنبي إذا لم يكن مصليا حقيقة لا مجال لتوهم جريان الأصل والأولوية بالنسبة إلى غير المصلي واما حكمهم في مقام بيان تكليف النائب من أنه يبتدء من موضع القطع أو من أول السورة فإنما هو فيمن كان مأموما قبل الاستنابة فعند صيرورته اماما يقع الاشكال في أنه هل يجتزي بما تحمله الامام عنه حال مأموميته فيأتي عند صيرورته اماما من موضع القطع أم عليه استيناف القراءة كما يتأتى هذا الاشكال فيما لو نوى الانفراد في أثناء القراءة والأولى بناء هذا الفرع على تلك المسألة إذ الظاهر أنه بعد صيرورته اماما يكون بالنسبة إلى عمل نفسه بمنزلة من نوى الانفراد وستعرف ما هو الحق فيه إن شاء الله تعالى واما الفرع الذي ذكره العلامة من أنه لو استخلف من لا يدري كم صلى فالظاهر أن موضوع كلامه ما لو استخلف بعض المأمومين الذي لم يحفظ عدد الركعات فهو ما دام مأموما لم يكن يلتفت إلى شكه تعويلا على حفظ الامام فمتى صار اماما يتأتى الاشكال في أن حفظ المأمومين هل هو معتبر في حقه بالنسبة إلى هذا الشك الذي لم يكن يعول فيه على حفظهم قبل ان يصير اماما أم لا وعلى تقدير اعتماده على حفظهم كما هو الظاهر ولو لأجل كونه مورثا للظن عادة فكيف يمضي في صلاته قبل ان ينكشف الحال فهل يبني على الأقل فان وافق الحق فهو والا سبح القوم به فيرجع إليهم أو انه ينظر ما يصنع من خلفه فيبني عليه أو يتضح اي يحتال بان يهم إلى القيام مثلا فان سبحوا به جلس وعلم أنها الرابعة أو انه يصلي بهم ركعة لأنه يتيقن بقاء ركعة ثم يتأخر ويقدم رجلا يصلي ما بقي من صلاتهم وجوه بل أقوال اختار أولها العلامة في المنتهى مستدلا عليه بالأصل وخبر زرارة المتقدمة ونسب ثانيها إلى النخعي وابطله بأن الامام تابع فيكون فعله مقدما فكيف ينتظر ما يتأخر عن فعله وثالثها إلى الشافعي وابطله بان ما يتصنع به فعل في الصلاة كثير وهو غير سايغ ورابعها إلى الأوزاعي وابطله بأنه شك في عدد الركعات فلا يجوز الاستخلاف لذلك كغير المستخلف يعني كما أنه ليس للامام الغير المستخلف لو شك في عدد الركعات ان يتأخر ويستخلف بعض مأموميه لذلك فكذلك في المستخلف وهذه الكلمات كما تراها صريحة الدلالة في كون المستخلف مصليا حقيقة وهو لا يحفظ عدد ركعاته لا انه يأتي بما بقي من صلاة الامام نيابة عنه وهو لا يدري كم صلى الامام الذي ناب عنه كما توهم وكيف كان فما قواه العلامة في المسألة المفروضة في كلامه لا يخلو من وجه ولكن ما نقله عن الشافعي من التصنع والاحتيال حتى يستكشف الحال لعله أوجه فان هذا النحو من الافعال المجانسة لافعال الصلاة لا يعد فعلا كثيرا منافيا للصلاة كما اتضح لك ذلك في محله وأما رواية زرارة فليست بواضحة الدلالة على إرادة هذا الفرع وان لم تكن أبية عن الحمل عليه بان يكون المراد بالسؤال انه انصرف من الصلاة واخذ بيد رجل ممن كان في المسجد من المأمومين وادخله في المحراب ولم يكن ذلك الرجل حافظا لعدد ركعاتهم فأجيب بأنه يصلي بهم يعني بحسب ما يؤدي إليه وهمه أو بحسب ما يقتضيه الأصل من في لاتيان بالمشكوك فيه فان أخطأ رجع عن ذلك وبنى على صلاة الامام ولكن الأوفق بظواهر ألفاظ الرواية إرادة استنابة الأجنبي كما أشرنا إليه انفا ولكن لا كما فهمه صاحب الحدائق من استنابته في الاتيان بخصوص ما بقي من صلاة الامام بل اقامته مقامه في أن يأم بهم فأريد بالجواب بمقتضى ظاهره انه يصلي بهم يعني على حسب ما يقتضيه تكليفه من صلاة الظهر مثلا فان وافق صلاة المأمومين بأن كان الاستخلاف في الأولى مضى في صلاته وان أخطأ بان كانت الاستنابة فيما عدى الأولى سبح القوم به وبنى على صلاة من كان قبله فهو بظاهره موافق لما نقله في التذكرة عن الشافعي في كيفية امامة المسبوق من أنه يتم صلاته على نظم صلاة الامام فلو استخلفه في الثانية فإذا صلى ركعة يقعد للتشهد وان لم يكن موضع قعوده وإذا صلى الثانية لا يقعد لأنها الثالثة من صلاة الامام وإذا صلى الثالثة جلس إلى أن يفرغوا من التشهد فيومئ إليهم بالسلام ثم يقوم فيتم لنفسه وربما يستشعر من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة إرادة هذه الكيفية كما لا يخفى على المتأمل ولكن الالتزام به مع موافقته للتقية لا يخلو من اشكال وسيأتي لذلك مزيد توضيح في شرح المسألة الثانية عشر المذكورة اخر المبحث إن شاء الله تعالى وقد ظهر بما مر انه لو فعل الامام ذلك اي فعل المبطل اختيارا جاز أيضا الاستنابة لما عرفت من عدم مدخلية شئ من مثل هذه الخصوصيات في صحة الاستنابة وفي المدارك قال ورد المصنف رحمه الله بقوله ولو فعل ذلك يعني المبطل اختيارا جاز أيضا على أبي حنيفة حيث منع من الاستخلاف إذا تعمد فعل المبطل وأوجب على المأمومين الاتمام فرادى وبنى ذلك على أصل فاسد ذكره وهو ان سبق الحدث
(٦٨٥)