القاعد وأجيب عن الأول بان المراد بالوجوب المعنى الشرطي كالطهارة في النافلة وترتيب الافعال فيها فعدم وجوب أصله لا يقتضي شرعية فعله بلا شرط وعن الرواية بأنها ليست من طريقنا فلا يصح التمسك بها في اثبات مثل هذا الحكم المخالف للأصل وهو جيد لولا قاعدة التسامح في أدلة السنن واما بالنظر إليها فلا مانع عن التمسك بمثل الرواية المزبورة لمثل المقام وربما يؤيده أيضا جوازها حال المشي وعلى الراحلة اختيار مع استلزامهما الاخلال بجملة من افعالها وكيفياتها فيغلب على الظن محبوبية فعلها وعدم سقوط ميسورها بترك المعسور ولو اختيارا كما يؤيده أيضا بل يستدل له أيضا بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال صل في العشرين من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة فإذا كانت الليلة التي يرجى فيها ما يرجى فصل مائة ركعة تقرء في كل ركعة قل هو الله أحد عشر مرات قال قلت جعلت فداك فإن لم اقو قائما قال فجالسا قلت فإن لم اقو جالسا قال فصل وأنت مستلق على فراشك إذ الظاهر إرادة الضعف في الجملة لا في لقدرة المسوغة لانقلاب التكليف كما ربما يشهد لذلك الرخصة في فعل الجميع جالسا أو مستلقيا لدى العجز عن فعل الجميع قائما أو جالسا كما هو المنساق إلى الذهن من السؤال والجواب من غير إشارة إلى الاقتصار على مقدار الضرورة لدى القدرة على التبعيض كما لعله الغالب فالقول بالجواز كما يظهر من الجواهر الميل إليه أو القول به لا يخلو من وجه و لكن الأحوط لدى الاتيان بها مستلقيا أو مضطجعا عدم قصد التوظيف بل برجاء المطلوبية من باب الاحتياط والله العالم تنبيه صرح غير واحد بأنه يستحب لمن يصلي جالسا ان يتربع في جلوسه بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا بل عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه نفي الخلاف فيه ويدل عليه رواية حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال كان أبي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه وفي الحدائق بعد ان نقل ذلك عن صريح جملة من الأصحاب قال ولم يفسر والتربع الذي ذكروه ولم يبين كيفيته ولم أقف على من بين كيفيته الا على كلام شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة في الفصل الرابع في بيان مستحبات الصلاة حيث قال بعد قول المصنف رحمه الله ويربع المصلي قاعدا ما لفظه لعجز أو لكونها نافلة بان يجلس على ألييه وينصب ساقيه وركبتيه كما تجلس المرأة للتشهد انتهى وحكى عن بعض من تأخر عن الشهيد أيضا تفسير التربع الذي حكموا باستحبابه في الصلاة بذلك فيرتفع حينئذ التنافي بينه وبين ما يظهر من بعض الأخبار من كراهة الجلوس متربعا على الاطلاق مثل خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضع احدى رجليه على الأخرى ولا يتربع فإنها جلسة يبغضها الله ويبغض صاحبها وفي بعض الأخبار كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس ثلاثا القرفصاء وعلى ركبتيه وكان يثني رجلا واحدا ويبسط عليها الأخرى ولم ير متربعا قط إذ الظاهر أن التربع المبغوض هو كيفية أخرى كما سره في مجمع البحرين فإنه قال تربع في جلوسه جلس متربعا وهو ان يقعد على وركيه ويمد ركبتيه اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه إلى جانب يساره واليسرى بالعكس قاله في المجمع ومنه الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس ثلاثا الحديث انتهى وحكى عن غير واحد من اللغويين أيضا تفسير التربع بهذا المعنى ولعل في رواية أبي بصير ايماء إلى ارادته بهذا المعنى إذ الظاهر أن قوله ولا يتربع عطف تفسير على قوله ولا يضع احدى رجليه على الأخرى فإنه أوفق بقوله فإنها جلسة يبغضها الله وكيف كان فهو بهذا المعنى بحسب الظاهر غير محبوب في حال الصلاة أيضا فإن هذه الكيفية منافية للخضوع المحبوب حال الصلاة كما أشير إليه في الخبر المزبور واما ان المراد بالتربع المستحب في الصلاة هو المعنى الذي ذكره الشهيد وغيره فلا وثوق به إذ لم نجد له شاهدا من لغة أو رواية خصوصا بعد الالتفات إلى أن نصب الفخذين والساقين ان كان بلا وضع الأليين على الأرض فهي جلسة يشق معها الصبر على القراءة خصوصا في النوافل التي وردت فيها مائة انا أنزلناه أو التوحيد أو غير ذلك من السور وان كان مع وضع الأليين كما عن غير واحد التصريح به فيندرج في الغالب في موضوع اقعاء الكلب الذي جعله في القاموس ضد التربع فإنه قال تربع في جلوسه خلاف جثى واقعي فالذي يغلب على الظن ان التربع المستحب في الصلاة هي الجلسة المتعارفة التي يستعملها غالب الناس حال التشهد والصلاة جالسا وهي جمع الرجلين إلى أحد طرفيه والجلوس على وركه فإن هذه الحالة أيضا بحسب الظاهر مما يصدق عليه اسم التربع على ما فسره في القاموس والله العالم
(٥٢٧)