العقلاء، فيتوجه عليه أن الانشاء وإن كان موضوعا لاعتبار العقلاء، إلا أن هذا الاعتبار مترتب على تحقق الانشاء في الخارج، وكلامنا في تصوير حقيقته سواء أكان ذلك موردا لاعتبار العقلاء أو الشرع أم لم يكن.
وعلى الجملة، أنا لا نعقل معنى محصلا لتعريف الانشاء بايجاد المعنى باللفظ، سواء في ذلك الايجاد الاعتباري و الايجاد الخارجي.
والتحقيق أن الانشاء ابراز الاعتبار النفساني بمبرز خارجي، كما أن الخبر ابراز قصد الحكاية عن الثبوت أو السلب بالمظهر الخارجي.
والسر في ذلك أنا ذكرنا في مبحث الوضع من مدخل علم الأصول أن حقيقة الوضع هي التعهد والالتزام النفسي بجعل لفظ خاص أو هيئة خاصة مبرزا لقصد تفهيم أمر تعلق غرض المتكلم بتفهيمه، ومن البديهي أن هذا المعنى أمر اختياري لكل من التزم بذلك وتعهد به، والارتباط الحاصل بين الدال والمدلول أمر قهري ومنتزع من الالتزام المذكور.
ولا يخفى على الفطن العارف أن هذا المعنى للوضع موافق للوجدان والذوق السليم، والارتكاز العقلائي والفهم العرفي والمعنى اللغوي، بديهة أن الوضع في اللغة بمعنى الجعل والاقرار والاثبات وما يراد منها من ألفاظ أية لغة كانت، وعليه فالتزام المتكلم بابراز مقاصده عند التفهيم بالألفاظ الخاصة نوع من الوضع، ومن هنا يطلق الواضع على مقنن القوانين في المحاكم العرفية.
وعلى هذا النهج فكل من تعهد بابراز مقاصده بالألفاظ المتداولة بين أهل اللسان لتفهيم أمر تعلق به غرضه فهو واضع حقيقة، نهاية الأمر أن اطلاق الواضع على الجاعل الأول إنما هو لسبق زمانه وقدم عهده.
ولا فارق فيما ذكرناه بين الجمل الخبرية والجمل الانشائية،