ويحسن بنا أولا أن نقدم مقدمة في طليعة البحث عن ذلك، وملخصها أن النسبة بين عنوان الكراهة وعدم طيب النفس هي العموم المطلق، ضرورة أنه كلما تحقق هنا كره تحقق عدم طيب النفس، بخلاف العكس فإنه قد لا يوجد الكره ولكن يتحقق عدم الرضاء وعدم طيب النفس، كما إذا تخيل أحد أن الجائر أجبره على بيع داره أو طلاق زوجه أو عتاق عبده وفعل ذلك، ثم تبين أنه ليس هنا مكره - بالكسر - فإن عنوان الاكراه وإن كان غير متحقق في المقام واقعا ولكن لم يوجد هنا رضاء أيضا بالمعاملة.
وقد يتوهم أن النسبة بين عنوان الاكراه وبين عدم الرضاء هي العموم من وجه، إذ قد يتحقق الاكراه ولا يتحقق عدم الرضاء، كما إذا باع أحد داره برضاه ثم علم بوجود المكره في الواقع حيث لو لم يفعله لقتله، ولكنه توهم فاسد، بديهة أن حقيقة الاكراه متقومة بوجود المكره - بالكسر - واقعا وعلم المكره - بالفتح - به، فإذا انتفى أحدهما انتفى عنوان الاكراه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه إن كان الدليل على بطلان معاملة المكره هو حديث الرفع، فلا مناص عن التكلم في حقيقة الاكراه وبيان ما يعتبر فيها من القيود والشرائط لكي يتضح ما هو المقصود من الحديث المزبور، وإن كان الدليل على بطلان معاملة المكره هو عدم اقترانها بالرضاء وطيب النفس فلا نحتاج إلى البحث عن حقيقة الاكراه فإن المدار في صحة معاملات المكره وفسادها وقتئذ إنما هو وجود طيب النفس وعدمه.
وعليه فيحكم بفساد العقد الصادر من شخص بتوهم أن الجائر قد أمره بذلك وأوعده على تركه بالضرب والقتل ونحوهما، وإن كان اعتقاده هذا موافقا للواقع، فإن العقد المزبور فاقد لطيب النفس، نعم إذا طابق