المكره - بالكسر - من سنخ البشر، أما إذا كان المكره - بالكسر - هو الله تعالى بلسان سفرائه الطاهرين، فإنه وقتئذ لا يحكم بفساد العقد الواقع كرها ولا يكون ذلك مشمولا لحديث الرفع، فإن ذلك اكراه بحق فلا يمنع عن نفاذ البيع، وإلا لزم أن يكون حكمه سبحانه بوقوع العقد الاكراهي لغوا محضا، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وقد تحقق هذا المعنى في موارد شتى، ونذكر منها ما يلي:
1 - أن يحكم القاضي ببيع ملك المديون لايفاء الغرماء حقوقهم، فإنه اكراه بحق لا يمنع عن نفاذ البيع بل يقع معه صحيحا نافذا.
2 - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (قدس سرهم) في اجبار المحتكر على بيع ما احتكره من الطعام فيما إذا لم يوجد الباذل، بل عن المهذب البارع الاجماع عليه، وعن التنقيح عدم الخلاف في ذلك، وقد وردت جملة من الروايات في ذم المحتكر وحرمة الاحتكار، وكونه من الجرائم الموبقة، ويأتي البحث عن ذلك في أواخر كتاب البيع إن شاء الله.
3 - أن لا ينفق الرجل على من تجب نفقته عليه، من الأب والأم والأولاد والأزواج وغيرهم، فإنه حينئذ يجبر هذا الشخص الممسك علي بيع أمواله وصرف ثمنها في نفقة هؤلاء، ولا يؤثر هذا الاكراه في بطلان بيعه، لما عرفته قريبا في المحتكر.
4 - أنه إذا امتنع الراهن من أداء دينه فإنه يجبره الحاكم على بيع العين المرهونة وأداء دين المرتهن من ثمنها، فلا يؤثر الاكراه في فساد بيعه.
ثم إنه بقي هنا شئ آخر لا بأس بالتعرض له، وهو أن المحقق الإيرواني قد استدل على فساد عقد المكره بما حاصله:
أن عنوان المعاملة لا يتحقق عرفا بانشاء المكره، بداهة أنه وإن قصد المعنى قلبا وتكلم باللفظ لسانا إلا أنه لا رابطة بينهما لبا، ضرورة أنه لم يأت باللفظ لأجل المقدمية والتوصل إلى المعنى لكي يكون ذلك