ومن القبيل المذكور ما سئل بعض الشيعة عن عدد الخلفاء فقال: أربعة أربعة أربعة، وقصد من ذلك الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وزعم السائل أنه أراد الخلفاء الأربع.
ثم لا يخفى عليك أن الكلام الذي يوري به قد يكون ظاهرا في بيان مراد المتكلم ولكن المخاطب لغباوته وقصور فهمه لا يلتفت إليه، ولا ريب أن مثل ذلك خارج عن حدود التورية موضوعا، وإنما هو كسائر الخطابات الصادرة من المتكلم في محاوراته ومحادثاته، ومنه ما نقل عن بعض الأجلة أن شخصا اقترح عليه أن يعطيه شيئا من الدراهم ويعينه بذلك، وكان المسؤول يرى السائل غير مستحق لذلك، فألقى السبحة من يده على الأرض وقال: والله إن يدي خالية، وتخيل السائل من كلامه أنه غير متمكن من اعطاء سؤله وقضاء حاجته.
أما جريان التورية في الأفعال، فهو من الوضوح بمكان وإن لم يتعرض له من فسر التورية وبين حقيقتها، ومثال ذلك أن يكره الجائر أحدا على شرب الخمر فأخذها المكره - بالفتح - وأهرقها على جيبه وخيل إلى الجائر أنه شربها، وأن يكره أحدا على أخذ أموال الناس بالظلم والعدوان، فأخذ المكره - بالفتح - مال الظالم سرا ودفعه إليه جهرا ويخيل إليه أنه أخذه من الناس وأعطاه إياه، وأن يأمر أحد عماله أن يضرب مظلوما في الليل المظلم فيوري العامل في فعله بضرب سوطه على الجدار ويأمر المظلوم بالنياحة والبكاء لكي يفهم الظالم أنه يضربه، وإلى غير ذلك من الأمثلة.
وعليه فإذا قلنا بوجوب التورية في الكلام مع التمكن منها قلنا به في الأفعال أيضا فإن سبيلهما واحد، وهذا واضح لا ستار فيه.