ولكن هذه الدعوى جزافية، لأن اثبات الاجماع التعبدي هنا مشكل جدا، إذ من المحتمل أن المجمعين قد استندوا في ذلك إلى الوجوه المزبورة، وإذن فلا يكون الاجماع هنا اجماعا تعبديا مستندا إلى رأي المعصوم (عليه السلام).
الوجه الخامس: دلالة المرسلة المعروفة بين الفقهاء: من حاز ملك، وقوله (صلى الله عليه وآله): من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به، على ثبوت حق الاختصاص في الأشياء التي سقطت عنها المالية.
والجواب عن هذا الوجه أن حديث الحيازة وإن اشتهر بين الفقهاء ولكنا لم نجدها في أصول الحديث للخاصة والعامة، والظاهر أنه قاعدة فقهية متصيدة من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة كاحياء الموات والتحجير وغيرهما، ولو سلمنا كون ذلك رواية ولكن لا دلالة فيه إلا على ثبوت مالكية المحيز للمحاز فلا صلة له بما نحن فيه، ويضاف إلى ذلك أنه مرسل فلا يمكن الاستناد إليه في اثبات الحكم الشرعي.
أما حديث السبق فيتوجه على الاستدلال به:
أولا: أنه ضعيف السند وغير منجبر بشئ.
ثانيا: أنه مختص بالمباحات الأصلية وبالأموال التي أعرض عنها ملاكها - على القول بجواز اعراض المالك عن ماله - وبسائر الموارد المشتركة بين المسلمين، بأن يكون لكل واحد منهم حق الانتفاع بها، كالأوقاف العامة من المساجد والمشاهد والمدارس والرباط وغيرها، فإذا سبق إليها أحد من الموقوف عليهم واشغلها بالجهة التي انعقد عليها الوقف حرمت على غيره مزاحمته في ذلك، وإذا عممناه إلى موارد الحيازة فإنما يدل على ثبوت الحق الجديد للمحيز في المحاز، ولا يدل على بقاء العلقة بين المالك وملكه بعد زوال الملكية.