وأما إذن المالك في التصرف فيه، أما الأول فهو منفي على الفرض، أما الثاني فكذلك، إذ لم يأذن فيه المالك بوجه.
والوجه في ذلك أن الأفعال تارة تتعلق بالعناوين الكلية، كبيع كلي الفرس ونحوه، وأخرى تتعلق بالجزئيات الخارجية والأفراد المشخصة، كالأكل والشرب والنوم والضرب والقيام والقعود وأشباهها، فإذا كان الفعل مما يتعلق بالشخص كان اعتقاد الفاعل بانطباق كلي ما عليه داعيا إلى ايجاده، فإذا ضرب شخصا باعتقاد أنه كافر فتبين أنه كان مؤمنا كان هذا من التخلف في الداعي، فإن الضرب قد وقع في الخارج على واقع المؤمن حقيقة، والتخلف إنما هو في اعتقاد أنه كافر الذي كان داعيا إلى ايجاده.
أما إذا كان الفعل متعلقا بالكلي فلا يسري إلى غير مصداقه وإن كان الفاعل يعتقد أنه مصداقه، فلو رضي المالك بدخول العلماء داره وأذن به لم يجز الدخول لغير العالم وإن اعتقد الإذن أنه عالم.
ولا شبهة في أن متعلق الإذن في قوله عجل الله فرجه: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه (1)، إنما هو العنوان الكلي أعني به عنوان التصرف في مال الغير، وعليه فإنما يجوز التصرف في أموال الناس فيما إذا أحرز أن المالك قد أذن في التصرف في ماله لكي يكون ذلك مشمولا للعنوان الكلي الذي ذكر في التوقيع المذبور ومن البين الذي لا ريب فيه أن هذا المعنى بعيد عن المقبوض بالعقد الفاسد، بديهة أن المالك لم يأذن للقابض أن يتصرف في ماله وإنما سلمه إليه باعتباره أنه ملك له، وحيث إنه لم يصر ملكا للقابض ولا أن الدافع قد أذن له في التصرف فلا يجوز للقابض أن يتصرف فيه.