الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم (1).
وملخص كلامه أن الاستدلال بهذه الآية على لزوم البيع المعاطاتي، بل على لزوم مطلق التجارة عن تراض، تارة بعقد المستثنى وهو قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض، وأخرى بعقد المستثنى منه، وهو قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل.
أما العقد الأول، فمفاده أنه لا يجوز لأحد أن يتملك أموال الناس بسبب من الأسباب الباطلة التي لم يمضها الشارع، كالقمار والغزو والبيع الربوي وبيع المنابذة والملامسة والحصاة وأشباه ذلك، إلا أن يكون هذا السبب تجارة عن تراض، وعلى هذا فالآكل في الآية الشريفة كناية عن التملك والتصرف، كما هو المتعارف في كلمات الفصحاء بل في كل لغة.
وإذن فتدل الآية على أن حلية تملك أموال الناس بالأسباب الصحيحة منحصرة في التجارة عن تراض، فإن غيرها من أسباب المعاملات التي منها التملك بالفسخ فاسدة، ولا يفرق في انفهام الحصر من الآية الشريفة بين كون الاستثناء متصلا - كما هو الظاهر والموافق للقواعد العربية - وبين كونه منقطعا، وقد تقدم تفصيل ذلك عند الاستدلال بالآية على كون المعاطاة مفيدة للملك.
وأما العقد الثاني، فمفاده أن تملك أموال الناس بغير رضى منهم تملك بالباطل عرفا وشرعا، إلا أن يأذن به الشارع الذي هو المالك الحقيقي، وعليه فيكون تملك المال بالفسخ أكلا له بالباطل إلا أن يثبت جواز الفسخ بتعبد شرعي، بأن يحكم الشارع بجواز التملك بالفسخ ونحوه من دون رضي المالك، وحينئذ فيكون التملك بالفسخ خارجا عن الأكل بالباطل.