بالإرادة والاختيار ومع القصد والعمد، لا في الأفعال التي هي بنفسها موضوع للأحكام الشرعية من غير أن يعتبر فيها القصد والعمد كالجنابة، فإنها توجب الغسل وإن تحققت حال النوم، وكمباشرة النجاسات فإنها توجب نجاسة البدن وإن كانت المباشرة بغير التفات إلى النجاسة، وكالأحداث الناقضة للطهارة وإن صدرت جهلا أو غفلة أو بغير اختيار، فإن شيئا من تلك الأمور لا يتوقف تأثيرها على صدورها بالإرادة والاختيار.
ولا ريب في أن اتلاف مال الغير من القبيل الثاني فإنه يوجب الضمان وإن صدر حال الغفلة والجهل وبدون الإرادة والاختيار، ضرورة أنه لم يؤخذ في قاعدة من أتلف عنوان آخر غير صدق الاتلاف.
ويضاف إلى ذلك ما ذكرناه آنفا من اختصاص الحديث بما إذا كان للفعل العمدي أثر وللفعل الخطائي أثر آخر بالنسبة إلى غير الفاعل فيحكم على فعل الصبي عندئذ بحكم الخطأ، ومن الظاهر أن حكم العمد والخطأ لا يختلف في الاتلاف، وإذن فلا يكون الاتلاف مشمولا للحديث.
أما الوجه الثاني: فقد عرفت آنفا أن المراد من دليل رفع القلم عن الصبي إنما هو رفع الأحكام الإلزامية عنه منذ نعومة أظفاره إلى حد بلوغه، وهذا لا ينافي توجه تلك الأحكام عليه بعد زمان البلوغ، وقد تقدم أن فعل الصبي قد يكون موضوعا لتوجه الأحكام الإلزامية عليه بعد بلوغه.
والسر في ذلك أن دليل رفع القلم والتكليف قد تعلق بالصبي فيدور مدار صبوته، وعلى هذا الضوء فاتلاف الصبي مال غيره سبب للضمان جزما ولكنه لا يستتبع الحكم الالزامي إلا بعد بلوغه وإذا بلغ توجه عليه