وتوضيح ذلك: أن الهيئات المجردة لم يلحظ فيها تجاوز المادة عن الفاعل إلى غيره بحسب وضع الواضع، بل التجاوز فيها إما ذاتي كجملة من الأفعال المتعدية، نظير ضرب وخدع ونصر ونحوها، أو بواسطة الأداة كما في الأفعال اللازمة، مثل جلس وذهب وأمثالهما، وقسم من الأفعال المتعدية كلفظ كتب ونظائره، بديهة أن تجاوز المادة في القسمين الأخيرين إلى غير الفاعل إنما هو بواسطة الأداة، فيقال: جلس إليه، وكتب إليه.
نعم لا شبهة في أن كلمة: كتب تدل على تجاوز المادة وهي الكتابة إلى المكتوب فقط دون المكتوب إليه، الذي هو مورد بحثنا، وإذا أريد تجاوز تلك المادة إلى المكتوب إليه، فلا بد من الاستعانة بكلمة إلى.
وأما هيئة المفاعلة كخادع وضارب وقامر ونحوها، فإن حيثية تعدية المادة عنها إلى غيرها ملحوظة فيها مطابقة في مقام إفادة النسبة، وهذا بخلاف الأفعال المجردة المتعدية كضرب ونصر وخدع ونحوها، فإن التعدية فيها من ذاتيات مفادها.
وعليه فإذا صدر فعل من أحد كان أثره خداع غيره، صدق عليه أنه خدعه ولا يصدق عليه أنه خادعه، إلا إذا تصدى لخديعة غيره، وكذلك الحال في ضرب وضارب ونصر وناصر وأشباهها من الأفعال المتعدية، ومن هنا يفرق بين ضار ومضار، فإن سمرة بن جندب لما أبا عن الاستئذان من الأنصاري عند الدخول على عذقه من منزل الأنصاري قال له النبي (صلى الله عليه وآله): إنك رجل مضار (1)، أي متصد لاضرار الأنصاري.
والجواب عن ذلك: أن هيئة المفاعلة لا تتقوم إلا بصدور الفعل من الاثنين، لما عرفته آنفا من دلالة المفاعلة على المشاركة في الغالب،