كل منهما مدعيا للغبن ومنكرا لكون الآخر مغبونا فيتحالفان، فيحكم بعدم غبن كل منهما لا بغبن كليهما، فلا يكون لأي منهما خيارا أصلا كما عرفت، على أن مقتضى التحالف أن يحلف كل منهما على أنه لم يغبن الآخر، فيكون مقتضى ذلك أن لا يكون أي منهما مغبونا لا أن يكون كلاهما مغبونا وهو واضح.
فتحصل أنه لا يمكن تصوير الغبن من الطرفين في معاملة واحدة كما ذكره بعض المحشين للروضة، وقال: فلا يعقل كونهما معا مغبونين وإلا لزم كون الثمن أقل من القيمة السوقية وأكثر وهو محال، فتأمل.
نعم يمكن تصوير ذلك إذا كان الغبن بمعنى مطلق الخديعة، كما إذا باع فرشا بأربعة دنانير على أنه من شغل كاشان، فبان أنه من شغل همدان، ومع ذلك أنه يسوى بثمانية دنانير، وحينئذ فقد خدع كل منهما في هذه المعاملة وهو واضح.
والذي ينبغي أن يقال إنه كان مدرك خيار الغبن هو دليل نفي الضرر يمكن فرض الغبن من الطرفين، بخلافه إذا كان مدركه الشرط الضمني الذي ذكرناه.
أما الأول كما إذا باع حطبا من زيد كل حقة بمائة فلس، مع كون الحطب كل حقة بدرهم، واشترط المشتري عليه أن ذلك من خشبة أبنيته، وواضح أن هذه المعاملة ضررية لكل من البايع والمشتري، أما كونها ضررية للبايع فلأن تسليم المبيع يتوقف على تخريب الدار، وهو ضرر على البايع.
وأما كونه ضررا على المشتري فلأن قيمة الحطب إنما هي كل حقة بدرهم وقد باع منه البايع كل حقة بمائة فلس، فيكون الدرهم زائدا عن القيمة السوقية.