القربة هنا أن طرف الصدقة هو الله والآخذ هو، كما في بعض الروايات، فكان المصدق يعطي الصدقة لله تعالى وما أخذه الله تبارك وتعالى لا يرجع، وهذا غير كون الفعل قربيا أي مأتيا به على وجه قربي لأجل ابتغاء الثواب، وهذا لا ينافي جواز حل ذلك العقد وارجاع ما أعطى على وجه قربي، ولو قلنا بكون المعاملة مستحبة بذاتها.
وإن أنكرنا ذلك في المكاسب المحرمة وقلنا إن الاستحباب من جهة الفعل، فلا يكون ذلك موجبا للزوم البيع كما هو واضح هنا، لو باع أحد داره من عالم أو سيد قربة إلى الله تعالى وقصد في معاملته التقرب بها إلى الله تعالى، فهل يتوهم أحد أن ذلك مانع عن جريان خيار المجلس في ذلك.
فالكبرى الذي تسلمها المصنف هنا غير الكبرى الذي منعها في الوقف، فإن الآخذ هنا هو الله، فلا معنى لارجاع ما أخذه، بل هذا كذلك في العرف أيضا، فإن من أعطى شيئا للسلطان ليس له أن يدق بابه بعد مدة ويطلب ذلك، بل يعد العقلاء من المجانين لو فعل ذلك، وعلى تقدير تسليم اعتبار القربة في الوقف فهو من القبيل الثاني دون الأول.
وعليه فلا مانع من جعل الخيار في الوقف مع قطع النظر عن كون التأبيد فيه مانعا عن جريان الخيار فيه، على أنا قد استشكلنا في اعتبار القربة في الوقف تبعا للمصنف، وقلنا إنه لا دليل عليه كما عرفت.
عدم جريان خيار الشرط في الصلح وأما الصلح، فإن كان لقطع الخصومة فلا بأس لجعل الخيار فيه، فإن مرجع جعل الخيار فيه هو تقييد المنشأ وتحديده بعدم الفسخ، ومن الواضح أنه لا بأس لقطع الخصومة إلى زمان خاص، ولو صرح أحد المتخاصمين أو كليهما بذلك فهل فيه محذور.