وليس ذلك للبايع لا يقال لا ضرر على المفلس في ذلك لان ماله يباع ولا يبقي له فيزول عنه الضرر لأنا نقول لا يندفع الضرر بالبيع فان قيمته ينقص بالتشقيص ولا يرغب فيه مشقصا الا البعض فيتضرر المفلس والغرماء بنقص القيمة ولأنه سبب يفسخ به البيع فلم يجز تشقيصه كالرد بالعيب والخيار ولا فرق بين كون المبيع عينا واحدة أو عينين وقال مالك هو مخير ان شاء رد ما قبضه ورجع في جميع العين وان شاء حاص الغرماء ولم يرجع ولا بأس بقول احمد عندي لما فيه من التضرر بالتشقيص مسألة لو باعه سلعة فرهنها المشتري قبل ايفاء الثمن ثم أفلس المشتري لم يكن للبايع الرجوع في العين لسبق حق المرتهن اجماعا وقد سلف فإن كان دين المرتهن دون قيمة الرهن فبيع كله فقضى منه دين المرتهن كان الباقي للغرماء وان بيع بعضه فهل يختص البايع بالباقي بقسطه من الثمن الأقوى عندي ذلك وبه قال الشافعي لأنه عين ماله لم يتعلق به حق غيره وقال احمد لا يختص به البايع لأنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له اخذه كما لو لم يكن الدين مستغرقا وهو غلط فان بعض حقه يكون حقا له والأصل فيه ان تلف بعض العين لا يسقط حق الرجوع عندنا خلافا له فكذا ذهاب بعضها بالبيع ولو رهن بعض العين كان له الرجوع في الباقي بالقسط ومنع منه احمد لما فيه من التشقيص وهو يقتضي الضرر وليس بجيد لان التشقيص حصل من المفلس برهن البعض لا من البايع أما لو باع عينين فرهن أحدهما فإنه يرجع في العين الأخرى وعند احمد في إحدى الروايتين ولا يرجع في الأخرى ولو فك الرهن لو أبرئ المفلس من دينه فللبايع الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه عند المشتري ولا فرق بين ان يفلس المشتري بعد فك الرهن أو قبله تذنيب لو رهنه المشتري عند البايع على الثمن ثم أفلس المشتري تخير البايع بين فسخ البيع للافلاس فيأخذ العين وبين امضاء البيع فقدم حقه فان فضل عن الثمن شئ كان للغرماء وإن كان رهنا عنده على دين غير الثمن تخير في فسخ البيع والرهن فيأخذ عين ماله ويضرب بالدين مع باقي الغرماء وبين (يثبت) امضاء البيع والاختصاص في العين المرهونة بقدر الدين ثم يشارك الغرماء في الفاضل من العين ويضارب بالثمن وهل له فسخ البيع فيما قابل الزايد عن الرهن بقدره من الثمن الأقرب ذلك مسألة لو باع عبدا فأفلس المشتري بعد تعلق أرش الجناية برقبة فللبايع الرجوع لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه فلم يمنع الرجوع كالدين في ذمته وهو إحدى الروايتين عن أحمد والثانية انه ليس للبايع الرجوع لان تعلق الرهن يمنع الرجوع وأرش الجناية مقدم على حق المرتهن فهو أولى ان يمنع والفرق بينه وبين الرهن ظاهر فان الرهن يمنع تصرف المشتري فيه فعلى قوله بعدم الرجوع فحكمه حكم الرهن وعلى قولنا بالرجوع تخير انشاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية وان شاء ضرب بثمنه مع الغرماء وان أبرأ الغريم من الجناية فللبايع الرجوع فيه عندنا وعنده لأنه قد وجد عين ماله خاليا من تعلق حق غيره به مسألة لو كان المبيع شقصا مشفوعا فالشفيع أحق من البايع إذا أفلس المشتري لان حقه أسبق لان حق البايع يثبت بالحجر وحق الشفيع بالبيع والثاني أسبق ولان حقه آكد لأنه يأخذ الشقص من المشتري وممن نقله إليه وحق البايع انما يتعلق بالعين ما دامت في يد المشتري وهو أحد وجهي الشافعية والثاني ان البايع أحق للخير ولأنه إذا رجع فيه عاد الشقص إليه فزال الضرر عن الشفيع لأنه عاد كما كان قبل البيع ولم يتجدد شركة غيره وهذان الوجهان للحنابلة أيضا وللشافعية وجه ثالث ان الثمن يؤخذ من الشفيع فيختص به البايع جمعا بين الحقين فان غرض الشفيع عين الشقص المشفوع وغرض البايع في ثمنه ويحصل الغرضان بما قلناه ويشكل بان حق البايع انما يثبت في العين فإذا صار الامر إلى وجوب الثمن تعلق بذمته فساوى الغرماء فيه وللحنابلة وجه ثالث غير ما ذكروه من الوجهين وهو ان الشفيع إن كان قد طالب بالشفعة فهو أحق لان حقه اكد وقد تأكد بالمطالبة وان لم يكن طالب بها فللبايع أولى مسألة لو باع صيدا فأفلس المشتري وكان البايع حلا لا في الحرم والصيد في الحل فللبايع الرجوع فيه لان الحرم انما يحرم الصيد الذي فيه وهذا ليس من صيده فلا يحرمه ولو أفلس المحرم وفي ملكه صيد وكان البايع حلالا كان له اخذه لانتفاء المانع عن البايع مسألة لو اشترى طعاما نسية ونظر إليه وقلبه وقال اقبضه غدا فمات البايع وعليه دين فالطعام للمشتري وتبيعه الغرماء بالثمن وإن كان رخيصا وبه قال الثوري واحمد وإسحاق لان الملك يثبت للمشتري فيه بالشراء وقد زال ملك البايع عنه فلم يشارك الغرماء المشتري فيه كما لو قبضه مسألة رجوع البايع في المبيع فسخ للبيع لا يفتقر إلى شروط البيع فيجوز الرجوع مع عدم المعرفة بالمبيع ومع عدم القدرة عليه ومع اشتباهه بغيره فلو كان المبيع غايبا وأفلس المشتري كان للبايع فسخ البيع ويملك المبيع سواء مضت مدة يتغير فيها المبيع قطعا أو لا ثم إن وجده البايع على حاله لم يتلف منه شئ صح رجوعه وان تلف منه شئ فكذلك عندنا وعند احمد يبطل رجوعه لفوات شرط الرجوع عنده ولو رجع في العبد بعد اباقة وفي الجمل بعد شروده صح وصار ذلك له فان قدر عليه اخذه وان تلف كان من ماله ولو ظهر انه كان تالفا حال الاسترجاع بطل الرجوع وكان له ان يضرب مع الغرماء في الموجود من ماله ولو رجع في المبيع واشتبه بغيره فقال البايع هذا هو المبيع وقال المفلس بل هذا فالقول قول المفلس لأنه منكر لاستحقاق ما أدعاه البايع والأصل معه والغرماء كالمفلس مسألة لو كان عليه ديون حالة ومؤجلة فقد قلنا إن المؤجلة لا تحل بالحجر عليه فإذا كانت أمواله تقصر عن الحالة فطلبوا القسمة قسم ماله عليها خاصة فان تأخرت القسمة حتى حلت المؤجلة شارك الغرماء كما لو تجدد على المفلس دين بجناية ولو حل الدين بعد قسمة بعض المال شاركهم في الباقي وضرب بجميع ماله وضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم ولو مات وعليه دين مؤجل حل أجل الدين عليه وسيأتي إن شاء الله تعالى مسألة قد ذكرنا ان المفلس محجور عليه في التصرفات المالية فلو أعتق بعض عبده لم ينفذ عتقه وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي واحمد في إحدى الروايتين لأنه تبرع وهو ممنوع منه بحق الغرماء فلم ينفذ عتقه كالمريض المستغرق دينه ماله ولأنه محجور عليه فلم ينفذ عتقه كالسفيه وقال أبو يوسف واحمد في الرواية الأخرى وإسحاق انه ينفذ عتقه لأنه مالك رشيد فينفذ كما قبل الحجر بخلاف ساير التصرفات لان للعتق تغليبا وسراية والفرق بين ما بعد الحجر وقبله ظاهر لتعلق حق الغرماء في الثاني دون الأول وتعلق حق الغير يمنع من نفوذ العتق كالرهن والسراية من شرطها الأيسار حتى يؤخذ منه قيمة نصيب شريكه ولا يتضرر ولو كان معسرا لم ينفذ عتقه الا في ملكه صيانة لحق الغير وحفظا له عن الضياع فكذا هنا مسألة لو جنى المفلس بعد الحجر جناية أوجبت مالا شارك المجني عليه الغرماء لان حق المجني عليه يثبت بغير اختياره ولو كانت الجناية موجبة للقصاص فعفى صاحبها عنها إلى (على) مال وصالحه المفلس على مال قال احمد شارك الغرماء لان سببه يثبت بغير اختياره فأشبه ما لو أوجبت المال ويحتمل عندي انه لا يشارك لان الجناية موجبها القصاص وانما يثبت المال صلحا وهو متأخر عن الحجر فلا يشارك الغرماء كما لو استدان بعد الحجر لا يقال لم لا قدم حق المجني عليه على ساير الغرماء كما لو جنى عبد المفلس فان حق المجني عليه مقدم هنا لأنا نقول الفرق ظاهر فان المجني عليه في صورة العبد تعلق حقه بعين العبد وهنا تعلق حقه بالذمة فكان كغيره من الغرماء مسألة قد بينا انه لا يجوز ان يباع على المفلس مسكنه ولا خادمه إن كان من أهله سواء كان المسكن والخادم اللذان لا يستغني عنهما عين مال بعض الغرماء أو كان جميع أمواله أعيان أموال أفلس بأثمانها ووجدوها أصحابها أو لا وقال احمد إن كان المسكن والخادم عين مال بعض الغرماء كان له اخذها لقوله (ع) من أدرك متاعه عند رجل بعينه قد أفلس فهو أحق به ولان حقه تعلق بالعين فكان أقوى سببا من المفلس ولان منعهم من اخذ أعيان أموالهم يفتح باب الحيل بان يشتري من لا مال له في ذمته ثيابا
(٧٢)