الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل ولهذا يقال على كذا ان رددت عبدي الآبق أو جملي الشارد ويكون ذلك التزاما في المستقبل وكذا لو قال لك علي الف ان جاء زيد أو قدم الحاج وكذا لو قال لك علي الف ان شهد لك بذلك شاهدان لان ذلك كله معلق بشرط وكذا لو قال إن شهد شاهدان بألف فهي على لم يكن اقرارا ولو قال إن شهد شاهدان فهما صادقان كان اقرارا وقد سلف ولو قال لك علي الف ان قبلت اقراري لم يكن اقرارا لتعلقه على الشرط بخلاف ما لو قال هذا لك بألف ان قبلت فإنه يكون ايجابا والفرق ان الايجاب يقع متعلقا بالقبول حتى إذا لم يقبل جوابا بطل الايجاب فيصح تعليقه فاما الاقرار فلا يتعلق بالقبول لأنه اقرار عن حق سابق لا يقال ليس المقر له إذا لم يقبل الاقرار بطل لأنا نقول انما يبطل إذا كذبه أو رده فاما إذا سكت فالاقرار صحيح غير مفتقر إلى القبول بل لو كذب الاقرار ورده لم يكن باطلا في نفسه بل لا يتعلق به حكم ظاهرا هذا ان جوزنا تعليق الايجاب بمثل هذا الشرط كما هو مذهب بعض الشافعية مسألة لو قال له علي الف إذا جاء رأس الشهر أو إذا قدم فلان قال بعض الناس انه لا يكون اقرارا لان الشرط لا اثر له في ايجاب المال والواقع لا يعلق بشرط وقال الجويني انه على قولين لان صدر الكلام صيغة التزام والتعليق يرفع حكمها والوجه عندي انه يرجع إلى استفساره فان قصد تعليق الاقرار بالشرط بطل اقراره بالشرط وان قصد التأجيل صح اقراره لاحتمال الصيغة لهذين ويسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المقر له هذا إذا قدم الاقرار واخر التعليق ولو عكس فقال إذا جاء رأس الشهر أو ان جاء رأس الشهر فعلي الف لم يلزمه شئ لأنه لم يوجد صيغة التزام جازمة نعم لو قال أردت به التأجيل برأس الشهر قبل وقال بعض الشافعية مطلقة يحمل على التأجيل برأس الشهر واعلم أن المشهور بين الشافعية انه إذا قال له علي الف إذا جاء رأس الشهر أنه يكون اقرارا ولو قدم الشرط فقال إذا جاء رأس الشهر فله علي الف لم يكن اقرارا والفرق انه إذا قال له علي الف فقد أقر بالألف فإذا قال إذا جاء رأس الشهر احتمل ان يكون انه أراد محلها ووجوب تسليمها وإذا احتمل ذلك لم يبطل الاقرار فاما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فبدأ بالشرط فإنه لم يقر بالحق وانما علقه بالشرط فلم يكن اقرارا والحق انه لا فرق بين تقدم الشرط وتأخره لان الشرط وان تأخر لفظا فإنه مقدم معنى وله صدر الكلام واعترض بعض الشافعية على قول الفارق بين قوله له علي الف من ثمن خمر وبين قوله له علي الف ان جاء رأس الشهر بان كل واحد منهما قد عقب اقراره بما يرفعه فلم كان التعقيب الأول باطلا والثاني صحيحا وأجيب بأنه يمكن ان يقال دخول الشرط على الجملة يصير الجملة جزءا من الجملة الشرطية والجملة إذا صارت جزأ من جملة أخرى تغير معناها وقوله من ثمن خمر لا يغير معنى صدر الكلام وانما هو بيان جهته فلا يلزم من أن لا يبعض الاقرار عند التعليق بل يلغي تحرزا من اتخاذ جزأ الجملة جملة برأسها ان لا يبعض في الصورة الأخرى مسألة لو قال له علي الف مؤجل إلى سنة فان ذكر الاجل مفصولا بكلام غريب أو سكوت لم يقبل التأجيل ويثبت الدين في الحال وان ذكره موصولا بغير فصل بسكوت ولا كلام البتة فالأقرب عندي قبول قوله كما لو قال له علي الف طبرية أو موصلية فإنه يقبل تفسيره وان اشتمل على عيب في المقر به كذا هنا ولأنه ربما يكون في الحق ذمته مؤجلا ولا شاهد له بالتأجيل فلو منع من الاخبار ولم يصدق به تعذر عليه الاقرار بالحق وعدم تخليص ذمته بالاشهاد فوجب ان يسمع كلامه توصلا إلى تحصيل هذه المصلحة وللشافعية طريقان كالطريقين فيما إذا قال له علي الف من ثمن عبد لم اقبضه أو علي الف قضيتها والظاهر عندهم القبول وبه قال أحمد بن حنبل لان هذا لا يسقط الاقرار وانما وصفه بصفة دون صفة ولهم قول اخر انه لا يقبل لأنه وصل اقراره بما يسقط عنه المطالبة به فأشبه ما إذا قال قضيتها وقد تقدم الفرق وقال أبو حنيفة أنه يكون مدعيا للأجل فالقول فيه قول المقر له مع يمينه لأنه أقر لغيره بحق وادعى فيه حقا لنفسه فلم يقبل كما لو قال هذه الدار لزيد ولي سكناها سنة وعليه أكثر علمائنا وفيه نظر لان الدين المؤجل أحد نوعي الدين فوجب ان يثبت بالاقرار كالحال بخلاف ما قالوه لأنه هناك أقر له بالملك وادعى عليه عقدا مستأنفا وفي صورة النزاع أقر بدين على صفة فقبل منه كما لو قال من نقد ردي وهذا الخلاف انما هو فيما إذا كان الدين المقر به مطلقا أو مستندا إلى سبب وهو بحيث يتعجل ويتأجل إما إذا أسنده إلى جهة لا تقبل التأجيل كما إذا قال له علي الف اقرضنيها مؤجلة لغى ذكر الاجل اجماعا وان أسنده إلى جهة يلازمها التأجيل كالدية على العاقلة فان ذكر ذلك في صدر اقراره بان قال قتل عمي فلانا خطأ ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجلا إلى سنة انتقالها كذا فهو مقبول لا محالة ولو قال له علي كذا من جهة تحمل العقل مؤجلا إلى وقت كذا فللشافعية طريقان أحدهما القطع بالقبول لأنه كذلك يثبت والثاني انه على قولين والثاني عندهم أظهر لان أول كلامه ملزم لو اقتصر عليه وهو في الاسناد إلى تلك الجهة مدع كما في التأجيل تذنيبان آ لو قال بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال بل قبلت قدم قول مدعي القبول على اشكال وللشافعية قولا تبعيض الاقرار ان بعضوه فهو مصدق بيمينه في قوله قبلت وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده أعتقتك على الف فلم تقبل أو قال لامرأته خلعتك على الف فلم تقبلي وقال العبد قبلت وقالت المراة قبلت ب لو قال إني أقر الان بما ليس علي لفلان على الف أو قال ما طلقت امرأتي ولكني أقر بطلاقها فالأقرب عدم نفوذ اقراره والحكم ببطلانه وللشافعية قولان أحدهما كما قلناه والثاني انه كما لو قال علي الف لا تلزمني المطلب الثاني في تعقيب الاقرار بالايداع مسألة إذا قال لفلان علي ألف درهم وديعة ولم يفصل بين كلامه فالأولى القبول وبه قال الشافعي فان أنكر المقر له كان القول قول المقر مع يمينه لأنه أقر بما يمكن ولا تناقض في قوليه فكان مسموعا منه وقال أبو حنيفة واحمد القول قول المقر له ويكون للمقر له ان يطالبه بالألف التي أقر لان على للايجاب وذلك يقتضي كونها في ذمته ولهذا لو قال ما على فلان على كان ضامنا والوديعة ليست واجبة عليه فلم يقبل تفسيره بها ونحن نمنع من عدم وجوب الوديعة فإنه يجب عليه ردها وحفظها وذلك واجب عليه فإذا قال علي وفسر بها احتمل قوله ذلك فقبل منه لأنه يجوز ان يريد بكلمة علي الاخبار عن هذا الواجب ويحتمل انه تعدى فيها حتى صارت مضمونة عليه فلذلك قال علي وقد يستعمل على بمعنى عندي لقوله تعالى ولهم علي ذنب وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض فيجوز ان تستعمل على بمعنى عندي وقال أبو إسحاق من الشافعية ان المسألة على قولين عند الشافعي كما لو قال له علي الف قضيته مسألة لو فصل بين كلاميه فقال له علي الف ثم سكت ثم جاء بألف بعد اقراره وقال أردت هذا وهو وديعة عندي وقال المقر له هو وديعة ولي عليك الف اخر دين وهو الذي أردته باقرارك فالأقوى عندي ان القول قول المقر مع يمينه وهو أصح قولي الشافعي لما تقدم من أن الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك فلعله أراد بكلمة على الاخبار عن هذا الواجب أو انه تعدى فيها فصارت مضمونة عليه فلذلك قال علي أو أراد عندي على ما تقدم والثاني له ان القول قول المقر له وبه قال أبو حنيفة واحمد فما اتى به وديعة وعليه الف اخر لان كلمة علي يقتضي الثبوت في الذمة وحكى الجويني طريقة قاطعة بالقول الأول لكن المشهور اثبات القولين وترجيح الأول ولو كان قد قال له علي الف في ذمتي أو له الف علي دينار وفسر كما تقدم فإن لم تقبل تفسيره في السابق فهنا عدم القبول أولي وان قبلنا هناك فللشافعية فيه وجهان أحدهما يقبل لجواز ان يريد له الف في ذمتي ان تلفت الوديعة
(١٦٧)