برئ المحيل من دين المحتال وتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحال عليه من دين المحيل حتى أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل كما لو أخذ عوضا عن الدين وتلف في يده وقد سبق ولان النبي صلى الله عليه وآله تعرض للملاءة فقال إذا أحيل على ملي فليحتل ولو تمكن المحتال من الرجوع لما كان للتعرض للملاءة كثير فايدة ولان الحوالة إما ان يتحول بها الحق فقد برئت ذمته فوجب ان لا يعود إليه كما لو أبرأه وان لم يتحول فلتدم المطالبة كما في الضمان ولو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الافلاس أو الجحود ففي صحة الحوالة اشكال وللشافعية وجهان فان صحت ففي صحة الشرط وجهان لهم إذا طرأ الافلاس أما لو اقترن الافلاس بعقد الحوالة وجهله المحيل فللمحتال هنا الرجوع عندنا على المحيل على ما تقدم وعند الشافعية ينظر ان لم يجر شرط الملاءة فالمشهور انه لا رجوع للمحتال ولا خيار له وما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحص ولهم وجه نقله الجويني انه يثبت له الخيار تداركا لما لحقه من الخسران كما لو اشترى شيئا فبأن معيبا وان شرط ملاءة المحال عليه فبأن معسرا فان قلنا بثبوت الخيار عند الاطلاق فهنا أولي وان منعناه ثم ففي الحكم هنا قول للمزني انه لا يرجع وقال ابن شريح يرجع نقلا عن الشافعي كما لو اشترى عبدا بشرط انه كاتب فبأن خلافه يثبت له الخيار واختار أكثرهم نقل المزني لأنه لو ثبت الرجوع بالحلف في شرط اليسار لثبت عند الاطلاق لان الاعسار نقص في الذمة كالعيب في المبيع يثبت الخيار سواء شرطت السلامة أو لا بخلاف شرط الكتابة فان فواتها ليس نقصا وانما هو عدم فضيلة فإذا جمع بين صورة الاطلاق والاشتراط حصل للشافعية في ثبوت الخيار ثلاثة أوجه ثالثها الفرق بين الصورتين مسألة لو صالح مع أجنبي عن دين على عين ثم جحد الأجنبي وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين قال بعض الشافعية نعم ويفسخ الصلح وقال بعضهم لا يعود مسألة لو خرج المحال عليه عبدا فإن كان لأجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت الحوالة كما لو أحال على معسر ويتخير المحتال عندنا لان اعسار العبودية أعظم اعسار فان رضي بالحوالة عليه تبعه المحتال بعد العتق ولو كان الدين الذي على العبد للمحيل مما يجب قضاؤه من كسبه أو من رقبته وصحة الحوالة برضى المحتال كان له مطالبته على حد ما كان للمحيل وهل يلحق بالمعسر في تخير المحتال لو كان الدين مما يتعلق بالرقبة كأرش الجناية الأقرب ذلك أيضا ولو كان عبدا للمحيل فالحوالة عليه حوالة على من لا دين عليه فان صححناها وقلنا انها ضمان فهذا ضمان العبد عن سيده باذنه وقد سبق وانما قلنا إنها حوالة على من لا دين عليه لاستحالة ثبوت دين السيد في ذمة عبده وأما الشافعية فقالوا إن كان في ذمته دين بان ثبت قبل ان ملكه وفرعنا على أنه لا يسقط إذا ملكه فهو كما لو كان لأجنبي مسألة لو اشترى عبدا وأحال المشتري البايع بالثمن على رجل ثم اطلع على عيب قديم في العبد فرده قال الشيخ رحمه الله تبطل الحوالة لأنها فرع البيع فإذا بطل الأصل بطل فرعه وقال المزني انها لا تبطل وله قول اخر انها تبطل ولأصحاب الشافعي في ذلك ثلاثة طرق أظهرها عندهم ان في بطلان الحوالة قولين أظهرهما البطلان وهما مبنيان على أن الحوالة استيفاء أو اعتياض ان قلنا إنها استيفاء بطلت وانقطعت لان الحوالة على هذا التقدير نوع ارفاق ومسامحة فإذا بطل الأصل بطلت هيئة الارفاق التابعة له كما لو اشترى شيئا بدراهم مكسرة وتطوع بأداء الصحاح ثم رده بالعيب فإنه يسترد الصحاح ولا يقال يطالب بمثل المكسرة ليبقى التبرع بصفة الصحة وان قلنا إنها اعتياض لم تبطل كما لو استبدل عن الثمن ثوبا ثم رد المبيع بالعيب فإنه لا يبطل الاستبدال بل يرجع بمثل الثمن على أن بعض الشافعية منع هذه المسألة وجعلها كمسألة الحوالة والطريق الثاني القطع بالبطلان والثالث القطع بعدم البطلان وقد تأول أصحاب الطريقين الآخرين وجمعوا بين قولي المزني بوجوه أحدها حمل قوله بالبطلان على ما إذا كان العيب لا يمكن حدوثه في يد المشتري أو كان بحيث يمكن حدوثه الا ان البايع أقر بقدمه وحمل قوله بالصحة على ما إذا ثبت قدمه بالبينة ورده والفرق ان في الحالة الأولى اعترف البايع بسقوط الثمن عند الفسخ وأما في الحالة الثانية فإنه يزعم بقاء حقه واستمرار الحوالة فلا يمنع من مطالبة المحال عليه بدعوى المشتري والثاني حمل الأول على ما إذا ذكر المحيل انه يحيله من جهة الثمن وحمل الثاني على ما إذا لم يذكر ذلك فإنه إذا لم يذكر لا ينبغي العود إليه لبراءة ذمته عن حقه ظاهرا والثالث ان البطلان مفرع على أن الحوالة تفتقر إلى رضي المحال عليه فان الحوالة حينئذ تتم برضى الثلاثة فلا تنقطع بموافقة اثنين والرابع حمل البطلان على ما إذا كانت الحوالة على من لا دين عليه ورضى المحال عليه فإنه إذا أسقط الثمن انقطع تطوعه وسقطت المطالبة عنه وعندي في قول الشيخ رحمه الله بالبطلان نظر مسألة لم يفرق الشيخ رحمه الله بين ما إذا كان الرد بالعيب بعد قبض المبيع أو قبله وقال بعض الشافعية ان محل الخلاف ما إذا كان الرد بعد قبض المبيع فإن كان قبله انقطعت الحوالة بلا خلاف لكون المبيع بعرض الانفساخ بعدم تأكده ولهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردا للعقد من أصله على رأي ثم زيف ذلك وقضى بطرد القولين في الحالتين وقضية الطريقين معا تجويز الإحالة بالثمن قبل قبض المبيع لكونه قبل قبض المبيع غير مستقر والمشهور في كتب الشافعية ان من شرط الحوالة استقرار ما يحال عليه وقال بعض الشافعية لا تجوز الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع مسألة فرق بعض الشافعية بين ان يتفق الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة أو قبله وفيه للشافعية طريقان أحدهما ان الحوالة لا ينقطع إذا اتفق الرد بعد القبض جزما والخلاف مخصوص بما إذا كان قبل القبض والفرق تأكد الامر بالقبض وبراءة ذمة المحال عليه والثاني طرد القولين في الحالتين وهو قول أكثرهم قال المزني إذا رده قبل قبض المحتال مال الحوالة بطلت الحوالة وتعدى حق المشتري إلى ذمة المحال عليه وقال أبو إسحاق لا تبطل وإن كان الرد في مدة الخيار فالحوالة باطلة لأنها كانت بالثمن فصار له الثمن في ذمة المحال عليه وانتقل إليها من ذمة المحيل فإذا انفسخ البيع سقط الثمن فوجب ان يسقط عن ذمة المحال عليه واحتج القائل بعدم البطلان بان المشتري دفع إلى البايع بدل ما له في ذمته وعاوضه عنه بما في ذمة المحال عليه فإذ انفسخ العقد الأول لم ينفسخ كما لو أعطاه بالثمن ثوبا وسلمه إليه ثم فسخ لم يرجع عليه بالثوب كذا هنا وقد عرفت ما اخترناه هنا مسألة لو أحال البايع رجلا على المشتري بالثمن ثم ظهر عيب فرده المشتري بالعيب فالأقرب عدم البطلان الحوالة بل هو أولي بعدم البطلان من المسألة السابقة التي احتال البايع فيها لان الحوالة هنا تعلقت بالأجنبي غير المتعاقدين واختلفت الشافعية هنا فمنهم من طرد القولين والجمهور منهم قطعوا هنا بأنه لا تنقطع الحوالة سواء قبض المحتال مال الحوالة من المشتري أو لم يقبضه لان الحوالة هنا تعلق بها حق غير المتعاقدين وهو الأجنبي المحتال فيؤخذ (فيوجد) ارتفاعها بفسخ يخص المتعاقدين وصار كما لو اشترى عبدا بجارية وقبضه وباعه ثم وجد بايع العبد بالجارية عيبا فردها لا يفسخ البيع الثاني لتعلق حق الثالث به بخلاف المسألة الأولى فان المحال عليه لا حق له في الحوالة ولو ظهر بطلان البيع من أصله بطلت الحوالة في المسئلتين فيتخير المشتري في الرجوع على من شاء من المحتال والبايع مسألة لو أحال المشتري البايع بالثمن ثم فسخ بالعيب فان قلنا لا تبطل الحوالة برئ المحال عليه ولم يكن للمشتري مطالبة المحال عليه بشئ بحال لأنه قبض منه باذنه بل يرجع على البايع فيطالبه إن كان قد قبض مال الحوالة ولا يتعين حق المشتري فيما أخذه البايع من المحال عليه بل للبايع ان يدفع إليه عوضه لبقاء الحوالة صحيحة وان لم يكن البايع قد قبض فله ان يقبضه وهل للمشتري الرجوع عليه قبل قبضه وجهان للشافعية أحدهما نعم لان الحوالة كالمقبوضة الا ترى
(١٠٩)