أصل يشترك رب المال والعامل على فايدته فجاز ان يشترط فيه على رب المال عمل غلامه كالمساقاة والقول الثاني للشافعي انه لا يجوز كما لو شرط ان يعمل بنفسه لان يد عبده يده في الحقيقة والفرق ان تصرف العبد للعامل يقع تابعا لتصرف العامل بخلاف ما إذا شرط المالك ان يعمل بنفسه فإنه لا وجه وجعله تابعا لان عمل رب المال لا يجوز ان يكون تابعا لعمل العامل ولا يصح ضمه إليه وعمل غلامه يصح ان يقع تابعا لعمل العامل ولان عمل غلامه مال له فصح ضمه إليه كما يصح ان يضم إليه بهيمة يعمل عليها فافترقا وموضع الخلاف بين الشافعية ما إذا لم يحجر على العامل فاما ان صرح بالحجر بان قال على أن يعمل معك غلامي ولا تتصرف دونه أو يكون بعض المال في يده فإنه يفسد عندهم لا محالة ونحن نقول بالصحة عملا بالشرط ولو كان الغلام حرا فان شرط عليه العمل مع العامل جاز وكانا جميعا عاملين وان لم يشترط عليه عملا لم يصح القراض لان الربح لا يستحق الا بالمال أو العمل فكان الشرط فاسدا ولو شرط ان يكون الربح أثلاثا ثلث للمالك وثلث لعبده وثلث للعامل ولم يشترط عمل الغلام مع العامل صح شرطه له لان ما شرطه للعبد فإنما يكون مشروطا لسيده فكأنهما شرطا لرب المال الثلثين وللعامل الثلث وبه قال الشافعي أيضا وكذا يجوز عندنا ان يشترط عمل الغلام وأن يكون له نصيب من الربح لأنه في الحقيقة للسيد خلافا للشافعي في أحد القولين مسألة لو شرط في المضاربة ان يعطيه بهيمة يحمل عليها جاز لأنه شرط سايغ لا ينافي الكتاب والسنة فوجب الوفاء به عملا بقوله (ع) المسلمون عند شروطهم وهو أصح قولي الشافعية والثاني المنع حملا على المنع ولو شرط ان يعمل معه غلام المالك وقد سبق مسألة قد بينا انه يجوز القراض بالمال المشاع فلو كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه قارضتك على نصيبي منها صح إذ ليس فيه الإشاعة وانها لا تمنع صحة التصرفات فلو مزج الفين له بألف لغيره ثم قال صاحب الألفين للاخر قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخر فان قصد بالتجزية الإشاعة صح والا فلا وعند الشافعية يصح وانفرد العامل بالتصرف في الف للقراض ويشتركان في التصرف في المال ولا يخرج على الخلاف في الصفقة الواحدة بجمع عقدين مختلفين لأنهما جميعا يرجعان إلى التوكيل بالتصرف مع أن أصح القولين عندهم انه لو دفع إليه كيسين في كل واحد منهما الف وقال قارضتك على أحدهما البطلان لعدم التعيين البحث الرابع العمل من العامل عوض ربح رأس المال المختص بالعامل وشرطه ان يكون تجارة فلا يصح على الأعمال كالطبخ والخبز وغيرهما من الصنايع لأن هذه اعمال مضبوطة يمكن الاستيجار عليها فاستغنى به عن القراض فيها وانما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستيجار عليه وهو التجارة التي لا يمكن ضبطها ولا معرفة قدر العمل فيها ولا قدر العوض والحاجة داعية إليها ولا يمكن الاستيجار عليها فللضرورة مع جهالة العوضين شرع عقد المضاربة واما ما يتبع التجارة كالنقل والكيل والوزن والنقد ونشر القماش وطيه وغير ذلك فإنها لواحق التجارة وتابعة لها والتجارة انما هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرف والصنايع مسألة لو دفع إليه مالا على أن يقارضه عليه وشرط ان يشتري مثلا حنطة يطحنها أو دقيقا يخبزه أو طعاما يطبخه أو غزلا أو ثوبا يقصره أو يصبغه ثم يبيع ذلك ويقسم الربح بينهما لم يصح لما تقدم من أن الاسترباح بالقراض انما هو بالتجارة لا بالصنعة والحرفة إما لو اشترى العامل هذه الأعيان وفعل فيها هذه الصنايع من غير شرط فإنه يصح ولا يخرج الدقيق ولا الخبز ولا المطبوخ ولا الثوب المنسوج أو المقصور أو المصبوغ عن كونه رأس مال القراض وهو أحد قولي الشافعية ويكون القراض بحاله كما لو زاد عبد القراض بكبر أو بسمن أو تعلم صنعة فإنه لا يخرج بذلك عن كونه مال القراض كذا هنا والقول الثاني للشافعية انه يخرج هذه الأعيان عن كونها مال القراض ولو لم يكن في يده غير ذلك انفسخ القراض لان الربح حينئذ لا يحال على البيع والشراء بل على التغيير الحاصل في مال القراض بفعله وعين التجارة لا يقابل بالربح المجهول وما ذكرناه أصح وهذه الصفات لا تخرج الأعيان عن كونها مال قراض كسمن العبد وكبره وعلى قولهم هذا لو أمر المالك العامل بان يطحن حنطة مال القراض كان فاسخا للعقد والحق ما قلناه من عدم الفسخ لكن العامل إذا اشتغل بالطحن صار ضامنا وعليه غرم ما ينقص من قيمة وعين ان وجد نقص في الدقيق فان باعه لم يكن الثمن مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه ولا يستحق العامل بهذه الصناعات اجرة على المالك ولو استأجر عليه أجيرا فالأجرة عليه والربح بينة وبين المالك كما شرطا مسألة لو دفع إليه دراهم قراضا على أن يشتري بها نخيلا أو دواب ومزارع ويمسك رقابها لثمارها أو نتاجها أو غلاتها وتكون الفوايد بينهما بطل القراض وبه قال الشافعي لأنه ليس استرباحا بالتجارة لان التجارة قد بينا انها التصرف بالبيع والشراء وهذه الفوايد تحصل من عين المال لا من تصرف العامل ولان عقد المضاربة يقتضي التصرف في رقبة المال لأنه مضاربة بالمال بخلاف المساقاة لان عقدها يقتضي ذلك فحينئذ يصح الشراء بالاذن ويكون الحاصل بأجمعه للمالك لأنه نماء عينه وعليه أجرة المثل للعامل هذا في النخل والشجر والدواب إما المزارع فإن كان البذر من مال القراض أو من المالك فكذلك وإن كان من غيره فالنماء لذلك الغير وعلى ذلك الغير اجرة الأرض ولو دفع إليه بهيمة وقال تكريها وتنقل عليها والحاصل بيننا لم يصح ولم يكن ذلك قراضا لان القراض يقتضي تصرف العامل في رقبة المال فيكون ما حصل من المنفعة لصاحب البهيمة وعليه أجرة المثل للعامل ولو دفع إلى صياد شبكة وأمره بالاصطياد بها وما يحصل يكون بينهما لم يصح هذه المعاملة أيضا وبه قال الشافعي لأنها ليست بشركة ولا قراض ولا اجارة فان اصطاد بها شيئا ملكه الصايد دون صاحب الشبكة وعليه اجرة الشبكة لصاحبها والفرق بين الشبكة والدابة ظاهر لان العمل في الدابة حاصل من الدابة لان العمل والحمل منها فكانت الأجرة لصاحبها واما الاصطياد فالعمل فيه للصايد والشبكة تبع لعمله لأنها آلة له فكان الحاصل له دون صاحب الشبكة مسألة لو دفع إلى رجل أرضا وقال له اغرسها كذا وكذا على أن يكون الغرس بيننا نصفين والأرض بيننا نصفين لم تصح هذه المغارسة لأنها ليست بشركة ولا قراض وليست بيعا لنصف الأرض بنصف الغراس لأنه انما شرط ذلك إذا ثبت غراسا وقرضا وذلك مجهول ولأنه يشتمل على تعليق البيع بشرط وهو باطل إما لو باعه نصف الغرس قبل ان يغرسه أو بعد ما غرسه بنصف الأرض جاز وكانت الأرض والغراس بينهما إذا ثبت هذا فالغرس في الصورة الأولى لصاحبه ويكون عليه اجرة الأرض للمالك لأنه بذل له نصف الأرض بعوض فإذا لم يثبت له للعوض وجب له أجرة المثل ثم ينظر فإن لم يكن في قلع الغراس ضرر بان لا ينقص بالقلع كان لصاحب الأرض مطالبته لقلعه وإن كان بنقص؟ بالقلع لم يكن له مطالبته بقلعه الا ان يضمن له أرش ما ينقص بالقلع لأنه غرسه فيه باذنه فلم يكن له مطالبته بازالته مع الاضرار به بخلاف الزرع إذا كان في ارضه باذنه حيث قال بعض الشافعية ليس له مطالبته بقلعه لان الزرع له أمد ينتهي إليه لا يطول بقاؤه فيها بخلاف الغرس ولان الزرع إذا قطع لم يمكن زرعه في موضع آخر بخلاف الغرس فان قال صاحب الغرس لا تقلعه وعلى اجرة الأرض لم يجبر صاحب الأرض عليه لان أحدا لا يملك الانتفاع بملك غيره بأجرته الا برضاه ولو انعكس الفرض فقال صاحب الأرض أقره في الأرض وادفع إلى الأجرة وقال الغارس اقلعه وعليك ما نقص لم يجب اجابته لان صاحب الغرس لا يجبر على اكتراء الأرض له ولو قال صاحب الأرض خذ قيمته وقال الغارس بل اقلعه وعلى ما نقص فالقول قول الغارس لأنا لا نجبره
(٢٣٣)