لأنه مالك في الظاهر غير متهم في الاقرار بخلاف اقرار البايع لأنه مصادف ملك الغير والتناقض ممنوع وقد يبني الشافعية الخلاف هنا على أن المؤجر هل له بيع العين المستأجرة أم لا فان قلنا نعم صح اقراره وإلا فهو على الخلاف في اقرار الراهن فان قلنا يقبل اقراره لم يبطل حق المستأجر من المنفعة لأنه بالإجارة أثبت له الحق في المنفعة فلا يمكن من رفعه كما أن البايع لا يتمكن من رفع ما أثبته بالبيع وهو أظهر وجهي الشافعية والثاني ان حق المستأجر من المنفعة يبطل تبعا للرقبة كالعبد إذا أقر على نفسه بالقصاص تقبل ويبطل حق السيد تبعا وهو غلط لأنه اقرار في حق الغير فلا يقبل والأصل ممنوع على مذهبنا والثالث إن كان المال في يد المستأجر فلا تزال يده إلى انقضاء مدة الإجارة وإن كان في يد المقر له فلا ينزع من يده والمعتمد ما قلناه وعلى قولهم يبطلان حق المستأجر في المنفعة هل له تحليف المكترى خلاف كالخلاف بينهم في أن المرتهن هل يحلف الراهن إذا أقر بالمرهون وقبلناه والأظهر بينهم في المسألة انه يقبل اقراره في الرقبة ولا يقبل في المنفعة وهو الذي ذهبنا نحن إليه لكن الذي حكوه قولا للشافعي ان الاقرار جايز والكراء باطل مسألة إذا غصبت العين المستأجرة إما من المؤجر أو من المستأجر كان للمؤجر مخاصمة الغاصب أو السارق لها بحق المالك اجماعا وللمستأجر أيضا مخاصمته لأنه يستحق المنفعة فله مطالبته ليستوفى المنفعة وهو أحد قولي الشافعي والأظهر بينهم وهو المحكي قولا للشافعي انه ليس للمستأجر المخاصمة لأنه ليس بمالك ولا نايب عن المالك فأشبه المستودع والمستعير وهو غلط لان المستأجر تستحق على وجه الملكية حقا في تلك العين وقعت عليه المعاوضة فكان له المنازعة والوجهان للشافعية جاريان في أن المرتهن هل يخاصم لان له حقا في المرهون وعندنا ان له ذلك والأصل فيه ان من ادعى ملكا وقال اشتريته من فلان وكان ملكا له إلى أن اشتريته سمعت بينته على ذلك فكما سمعت البينة على تملك البايع لتوسله بها إلى اثبات الملك لنفسه وجب ان يكون الحكم في المنفعة كذلك مسألة إذا استأجره لعمل في عين معينة كخياطة ثوب معين ونساجة غزل معين فتلفت العين انفسخ العقد عندنا لان متعلق الإجارة قد تلفت فبطلت الإجارة كما لو استأجر عبدا معينا للخدمة فيموت أو ثوبا معينا للبس فيسرق قبل القبض وهو أحد قولي الشافعية والثاني انه لا ينفسخ العقد لان المعقود عليه العمل فلا فرق بين ان يوقعه في ذلك المعين أو في مثله وهو ممنوع وقد قال بعضهم لو استأجر دواب في الذمة لحمل خمسة أعبد معينين فمات اثنان وحمل ثلاثة ان له ثلاثة أخماس الكر أو يسقط خمساه إذا تساوت اوزانهم ويوافق ذلك قول الشافعي إذا نكحها على خياطة ثوب بعينه فهلك قبل ان يخيطه كان لها مهر المثل قال بعض الشافعية موضع الخلاف فيما إذا لزم ذمته خياطة ثوب بعينه أو حمل عبد أو متاع بعينه فإن العقد وإن كان في الذمة فهو متعلق بعين ذلك الثوب أو المتاع إما إذا استأجر دابة بعينها مدة لركوب أو حمل متاع فلا خلاف في جواز ابدال الراكب والمتاع وفي ان العقد لا ينفسخ بهلاكهما وفرق بان العقد والحالة هذه تتناول المدة الا ترى انه لو سلم الدابة فلم يركب تستقر الأجرة وفيما إذا استأجره لخياطة الثوب المعين العقد يتناول العمل فلهذا لو سلم نفسه مدة يمكن فيها الخياطة ولكن لم يخط لم تستقر هكذا ذكره بعضهم وفيه منع فإن حكمنا بعدم فسخ الإجارة فان جاء المستأجر ثبوت مثله فذاك وإن لم يأت إما العجز أو امتنع عن قدرة حتى مضت مدة امكان العمل فتستقر الأجرة أو لا تستقر وجهان للشافعية فان قلنا تستقر فللمستأجر فسخ العقد لأنه ربما لا يجد ثوبا اخر أو لا يريد قطعه وفيه وجه اخر انه ليس فسخ العقد فيخرج من هذا وجه ان المستأجر مخير انشاء ابدل الثوب التالف وإن شاء فسخ مسألة لو استأجره لتعليم شبي معين أو استأجر المرأة لارضاع صبي معين فمات الصبي المعين فالوجه فسخ العقد لما قلناه في الثوب المعين إذا تلف قبل خياطة وللشافعية الخلاف الذي سبق في الثوب والصبي المعين للارضاع إذا لم يكن ولد المرضعة إما إذا كان ولدها فالخلاف بين الشافعية فيه مرتب على الخلاف في الصبي الأجنبي بل في ولدها الانفساخ أولي لان درور اللبن على الولد فوق دروره على الأجنبي لزيادة الشفقة على الولد فلا يمكن إقامة غيره مقامه إذا عرفت هذا فلو استأجره لخياطة ثوب معين أو لارضاع صبي معين أو تعليمه ثم بدا للمستأجر في قطع الثوب المعين أو في ارضاع الطفل المعين أو تعليمه وهما باقيان لم يجب على المستأجر الاتيان به لأنه قد يعرض له غرض في الامتناع ومصلحة فيه بان يجد صانعا أجود أو معلما أو مرضعة أجود فلا يلزمه الدفع إلى الخياط والمعلم والمرضعة لكن ان سلم الأجير نفسه ومضت مدة يمكن العمل استقرت الأجرة على المستأجر وبه قال الشافعي بناء على قوله باستقرار الأجرة بتسليم الأجير نفسه ومضى مدة العمل وليس للأجير ولا للمستأجر الفسخ بحال البحث الثالث فيما تفوت المنفعة فيه شرعا مسألة إذا انتفت المنفعة شرعا كان بمنزلة فواتها حسا في الاقتضاء الانفساخ لان المقتضي لانفساخها مع الفوات حسا إنما هو تعذر الاستيفاء وهذا المعنى ثابت فيما إذا فاتت شرعا فإذا استأجر لقلع سن وجعه أو لقطع يد متاكله أو لاستيفاء قصاص في نفس أو طرف صحت الإجارة وهو أظهر وجهي الشافعية وقد سبق فلو زال الوجع عقيب العقد أو عفى المجني عليه عن القصاص أو وليه انفسخت الإجارة لان قلع السن حينئذ ممنوع منه شرعا وكذا استيفاء القصاص بعد الاسقاط لا يجوز شرعا فبطلت الإجارة لتعذر استيفاء المنفعة شرعا وقد نازع بعض الشافعية فيه لان الإجارة هنا مضبوطة بالعمل دون المدة وهو غير مأيوس منه لاحتمال عود الوجع فلم يكن زوال الوجع موجبا للفسخ وليس بجيد وقال بعضهم لا تنفسخ الإجارة بل يستعمل الأجير في قلع وتد أو مسمار ويراعي تداني العملين وهو أشد غلظا من الأول والحكم بانفساخ العقد انما هو على القول بان المستوفى به لا يبدل فان جوزناه أمر بقلع سن وجعه لغيره البحث الرابع في الاعذار المتجددة مسألة الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها إلا بالتقايل وبه قال مالك والشافعي واحمد وأصحاب الرأي لعموم قوله تعالى أوفوا بالعقود ولان الإجارة عقد معاوضة فكان لازما كالبيع ولأنها عند أكثر العامة نوع من البيع وإنما اختصت باسم كما اختص الصرف والسلم باسم وسواء كان لعذر كما لو استأجر دابة ليسافر عليها فيمرض أو دكانا للبيع فتلفت قماشه أو لعمل صنعة فتهلك التها أو حماما فيتعذر عليها الوقود وأشباه ذلك أو لم يكن وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف واحمد لأنه عقد لا يجوز فسخه مع استيفاء المنفعة المعقود عليها من غير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع لأنه لو جاز فسخه لعذر المستأجر جاز لعذر المؤجر تسوية بين المتعاقدين ورفعا للضرر عن كل واحد من المتعاقدين ولا خلاف في أنه لا يجوز ثم فلا يجوز هنا وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للمستأجر فسخها لعذر في نفسه مثل ان يستأجر جملا ليحج عليه فيمرض ولا يتمكن من الخروج أو تضييع نفقته أو يستأجر دكانا للبز فيحرق متاعه وما أشبه ذلك لان هذا العقد يتعذر معه استيفاء المنفعة عليها فملك به الفسخ كما لو استأجر عبدا فابق والفرق ان الاباق عذر في المعقود عليه إذا عرفت هذا فالإجارة لا تفسخ بالأعذار سواء كانت اجارة عين أو في الذمة خلافا لأبي حنيفة على ما تقدم وسلم أبو حنيفة انه لو ظهر للمؤجر عذر كما لو مرض وعجز عن الخروج مع الدواب التي اجرها أو اجر داره واهلها مسافرون فعادوا أو لم يكن متاهلا فتاهل انه لا يثبت الفسخ مسألة لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجايحة من سيل أو جراد أو شدة حر أو برد أو كثرة مطر لم يكن له الفسخ ولاحظ شئ من الأجرة لان الجايحة لحقت مال المستأجر لا منفعة الأرض فأشبه
(٣٢٤)