التوكيل ثانيا بالعزل أظهرهما المنع والثاني وبه قال أبو حنيفة انه يعود وكيلا فعلى هذا ينظر في اللفظة الموصولة بالعزل فان قال إذا عزلتك أو مهما أو متى لم يقتض ذلك عود الوكالة الا مرة واحدة وان قال كلما عزلتك اقتضى التكرار والعود مرة بعد أخرى لان كلما يقتضي التكرار دون غيرها فلو أراد ان لا يعود وكيلا فسبيله ان يوكل غيره بعزله فينعزل لان المعلق عليه عزل نفسه فإن كان قد قال إن عزلتك أو عزلك أحد من قبلي فالطريق أن يقول كلما عدت وكيلي فأنت معزول فإذا عزله لم ينعزل لتقاوم التوكيل والعزل واعتضاد العزل بالأصل وهو الحجر في حق الغير وعصمة مال المسلم عن تصرف الغير قال الجويني وفيه نظر على بعد متلقى من استصحاب الوكالة هذا كله عندنا باطل لان الوكالة عندنا لا تقبل التعليق مسألة كما أن الوكالة لا تقبل التعليق فالعزل هل يقبل التعليق الأقرب ذلك لأنه لا يشترط فيه القبول واشتراطه في الوكالة مختلف فيه والخلاف للشافعية في أن الوكالة هل تقبل التعليق أم لا جاز في العزل هل يقبل التعليق أم لا ولكن بالترتيب فالعزل أولي لقبوله لما تقدم من عدم اشتراط القبول فيه وتصحيح إرادة الوكالة والعزل جميعا مبني على قبولهما التعليق قال الجويني إذا انفذنا العزل وقلنا تعود الوكالة فلا شك ان العزل ينفذ في وقت وان لطف ثم يترتب عليه الوكالة فلو صارف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ فيه وجهان للشافعية وانما كان يتضح هذا الفرض والتصوير ان (لو وقع) بينهما ترتب حتى تصور وقوع التصرف بينهما لكن الترتب في مثل هذا لا يكون الا عقليا مسألة تجوز الوكالة بجعل وغير جعل لان النبي صلى الله عليه وآله وكل انسا في إقامة الحدود وعروة في شراء شاة من غير جعل وكان يبعث عماله ليقبضوا الصدقات ويجعل لهم عمالة ولهذا قال له ابتاعه لو بعثتنا على هذه الصدقات فنودي إليك ما يؤدي الناس نصيب ما يصيبه الناس البحث الثاني في الموكل مسألة يشترط في الموكل ان يملك مباشرة ذلك التصرف ويتمكن من المباشرة لما يوكل فيه إما بحق الملك لنفسه أو بحق الولاية عن غيره فلا يصح للصبي ولا المجنون ولا النايم ولا المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل ان يوكلوا سواء كان الصبي مميزا أو لا وسواء كانت الوكالة في المعروف أو لا وعلى الرواية المقتضية لجواز تصرف المميز أو من بلغ خمسة أشبار في المعروف ووصيته بالمعروف ينبغي القول بجواز توكيله وكذا لو وكل من يعتوره الجنون حال جنونه ولو وكل حال افاقته صحت الوكالة لكن إذا طرأ الجنون بطلت الوكالة مسألة كل من صح تصرفه في شئ تدخله النيابة صح ان يوكل فيه سواء كان رجلا أو امرأة حرا أو عبدا مسلما أو كافرا فان المكاتب يتصرف في بيعه وشرائه بنفسه فصح ان يوكل فيه وأما البراءة فعندنا يصح ان توكل في النكاح خلافا للشافعية وكذا يصح عندنا توكيل الفاسق في تزويج ابنته خلافا للشافعية في أحد القولين لان الفاسق عندنا له ولاية النكاح ولا يصح توكيل السكران كسائر تصرفاته عندنا مسألة شرطنا في الموكل ان يكون متمكنا من المباشرة إما بحق الملك أو الولاية ليدخل فيه توكيل الأب أو الجد له في النكاح والمال ويخرج عنه توكيل الوكيل فإنه ليس بمالك ولا ولي وانما يتصرف بالاذن نعم لو مكنه الموكل من التوكيل لفظا أو دلت عليه قرينة نفذ والعبد المأذون ليس له ان يوكل فيما اذن له مولاه فيه لأنه انما يتصرف بالاذن وكذا العامل في المضاربة انما يتصرف عن الاذن لا بحق الملك ولا الولاية في توكيل الأخ والعم ومن لا يجبر في النكاح للشافعية وجهان يعودان في النكاح لأنه من حيث إنه لا يعزل كالولي ومن حيث إنه لا يستقل كالوكيل وعندنا لا ولاية له ولا مدخل له في النكاح البتة فلا يصح له ان يوكل فيه وللمحجور عليه بالفلس أو السفه أو الرق ان يوكلوا فيما لهم الاستقلال فيه من التصرفات فيصح من العبد ان يوكل فيما يملكه دون اذن سيده كالطلاق والخلع وكذا المحجور عليه لسفه لا يؤكل الا فيما له فعله كالطلاق والخلع وطلب القصاص والمفلس له التوكيل في الطلاق والخلع وطلب القصاص والتصرف في نفسه فإنه يملك ذلك وأما ماله فلا يملك التصرف فيه وأما ما لا يستقل أحدهم بالتصرف فيه فيجوز مع اذن الولي والمولى ومن جوز التوكيل بطلاق امرأة سينكحها وبيع عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما يستأذن له فيه الولي وكل هذا عندنا باطل ومن منع من بيع الأعمى وشرائه من العامة جوز له ان يوكل فيه للضرورة وإذا نفذ التوكيل الوكيل فمنصوبه وكيل الموكل أم وكيل الوكيل فيه خلاف سيأتي انشاء الله تعالى فإذا جعلناه وكيلا للوكيل لم يكن من شرط التوكيل كون الموكل مالكا للتصرف بحق الملك أو الولاية مسألة الوكالة جايزة في كل ما يصح دخول النيابة فيه من البيع والشراء والمحاكمة ومطالبة الحقوق ممن هي عليه واثباتها عند علمائنا كافة مع حضور الموكل وغيبته وصحته ومرضه وبه قال ابن أبي ليلى ومالك واحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمد لان الخصومة تصح فيها النيابة فكان له الاستنابة من غير رضي خصمه لدفع المال الذي عليه إذا كان غائبا أو مريضا ولان الخصومة حق يجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضي خصمه كحالة غيبة أو مرضه ولان الصحابة اجمعوا عليه فان العامة رووا ان عليا (ع) وكل عقيلا وقال ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي ووكل عبد الرحمان بن جعفر أيضا وقال إن للخصومة قحما وان الشيطان ليحضرها واني أكره ان احضرها والقحم المهالك واشتهر ذلك بين الصحابة ولم ينكره أحد فكان اجماعا ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) من وكل رجلا على امضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة ابدا حتى يعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها وهو من الفاظ العموم وقال أبو حنيفة للخصم ان يمتنع من مخاصمة الوكيل ومحاكمته إذا كان الموكل حاضرا لان حضوره مجلس الحكم ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضي خصمه كالدين يكون عليه والفرق ان الحوالة اسقاط الحق عن ذمته فلا يملكه وهنا الوكالة نيابة عنه فهو بمنزلة توكيله في تسليم الحق الذي عليه ولان الحاجة قد تدعو إلى التوكيل فإنه قد لا يحسن الخصومة أم يرتفع عنها فإنه يكره للانسان ان يباشر الخصومة بنفسه بل ينبغي لذوي المروات وأهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا إليها مسألة ولا فرق في ذلك بين الطلاق وغيره عند أكثر علمائنا وللشيخ رحمه الله قول انه إذا وكل الانسان غيره في أن يطلق عنه امرأته وكان غائبا جاز طلاق الوكيل وإن كان شاهدا لم يجز طلاق الوكيل ولا وجه له والمعتمد جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكل وغيبته وللفاسق ان يوكل غيره في ايجاب العقد على ابنته وفي قبول النكاح عن ابنه وللشافعية فيهما وجهان وبعض العامة فرق بين القبول عن ابنه والايجاب عن ابنته فجوز الأول ومنع الثاني وليس للكافر ولاية التزويج لابنته المسلمة فليس له ان يوكل فيه لقوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وكذا ليس للمحرم ان يوكل في شراء الصيد ولا في عقد النكاح ايجابا وقبولا مسألة التوكيل على أقسام ثلاثة آ ان يأذن الموكل لوكيله في التوكيل فيجوز ان يوكل اجماعا لأنه عقد اذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ب ان ينهاه عن التوكيل فليس له ان يوكل اجماعا لان ما نهاه عنه غير داخل في اذنه فلم يجز له فعله كما لو لم يوكله ج اطلق الوكالة وأقسامه ثلاثة أحدها ان يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنية في حق اشراف الناس المرتفعين عن فعل مثلها في العادة كما لو وكله في البيع والشراء والوكيل ممن لا يتبذل بالتصرف في الأسواق ويعجز عن عمله لكونه لا يحسنه فله التوكيل فيه لان تفويض مثل هذا التصرف إلى مثل هذا الشخص لا يقصد منه الا الاستنابة وهو قول علمائنا أجمع وأكثر الشافعية ولهم وجه اخر انه لا يوكل لقصور اللفظ وليس بجيد لان الوكيل إذا كان مما لا يعلمه عادة انصرف الاذن إلى ما جرت العادة من الاستنابة فيه الثاني ان يكون العمل مما لا يرتفع الوكيل عن مثله بل له عادة بمباشرته الا انه عمل كثير منتشر لا يقدر الوكيل على فعل جميعه فيباشره بنفسه ولا
(١١٥)