الجهالة من الجانبين وقد سبق واما ما يمكنه معرفته كتركة موجودة يعلمها الذي هي في يده ويجهلها الأخر فإنه لا يصح الصلح عليه مع الجهل وكذا كل من له نصيب في ميراث أو غيره يظن قلته إذا صولح عليه لا يصح مع علم الخصم الأخر لان الصلح انما جاز مع جهالتهما للحاجة إليه فان ابراء الذمة أمر مطلوب ولا طريق إليه الا الصلح مسألة يجوز الصلح عن كل ما يجوز اخذ العوض عنه سواء كان مما يجوز بيعه أو لا يجوز فيصح عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع ومن صالح عن ما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز لان الحسن والحسين عليهما السلام وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب عليه القصاص على هدية بن حشره سبع ديات فابى ان يقبلها وان صالح عن قتل الخطاء بأكثر من ديته من جنسها جاز عندنا خلافا لأحمد وكذا لو أتلف عبدا أو غيره فصالح على أكثر من قيمته أو أقل سواء كان من جنس القيمة أو من غير جنسها جاز عندنا وبه قال أبو حنيفة خلافا للشافعي واحمد مسألة قد بينا انه إذا ظهر استحقاق أحد العوضين بطل الصلح فلو صالحه على دار أو عبد بعوض فوجد العوض مستحقا أو كان العبد حرا فإنه يرجع في الدار وما صالح عن العبد إن كان موجودا وإن كان تالفا رجع بمثله إن كان مثليا والا رجع بالقيمة ولو اشترى شيئا فوجده معيبا فصالحه عن عيبه بعبد فبأن مستحقا أو حرا رجع بأرش العيب ولو ظهر استحقاق المعيب رجع بالثمن والعبد معا ولو كان البايع امرأة فزوجته نفسها عوضا عن أرش العيب فزال العيب لم يصح الصلح عندنا ويجوز عند احمد فيرجع بأرشه لا بمهر المثل لأنها رضيت بذلك مهرا لها ولو صالحه عن القصاص بحر يعلمان حريته أو عبد يعلمان انه مستحق أو تصالحا بذلك عن القصاص رجع بالدية والأقرب القصاص أو بما يصالح عنه لان الصلح هنا باطل يعلمان بطلانه فكان وجوده كالعدم ولو صالح عن القصاص بعبد فخرج مستحقا رجع بقيمة العبد وكذا ان خرج حرا ويحتمل قويا الرجوع إلى القصاص فيهما وبه قال الشافعي واحمد وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان خرج مستحقا رجع بقيمته وان خرج حرا رجع بما صالح عنه وهو الدية مسألة قد بينا انه يجوز ان يصالحه على اجراء ماء المطر على سطحه مع العلم بالمشاهدة للسطح أو بالمساحة لاختلاف الماء بكبر السطح وصغره وهل يفتقر إلى ذكر المدة منع منه الحنابلة لان الحاجة تدعو إليه ويجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقدير كما في النكاح ولا يملك صاحب الماء مجراه لان هذا لا يستوفى به منافع المجرى دايما ولا في أكثر المدة بخلاف الساقية وفيه نظر ولا يحتاج في اجراء الماء في الساقية إلى ما يقدر به لان تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية فإنه لا يملك ان يجرى فيها أكثر من مائها والماء الذي يجري على السطح يحتاج إلى معرفة مقدار السطح لأنه يجري فيه القليل والكثير ولو كان السطح الذي يجري عليه الماء مستأجرا أو عارية مع انسان لم يجز له ان يصالح على اجراء الماء عليه لأنه يتضرر بذلك ولم يؤذن له فيه فلم يكن له التصرف فيه واما الساقية المحصورة فان منع المالك أو لم يعلم بالعرف اباحته فكذلك والا جاز لان الأرض لا تتضرر به ولو كان ماء السطح يجري على الأرض جاز الصلح أيضا على ذلك سواء احتاج إلى حفر أو لا لأنه بمنزلة اجراء الماء إلى ساقية ويشترط المدة المعينة ومنع احمد في إحدى الروايتين عنه مسألة لا يجوز للانسان ان يجري الماء في ارض غيره سواء اضطر إلى ذلك أو لا الا باذنه وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأنه تصرف في ارض غيره بغير اذنه فلم يجز كما لو لم تدع إليه ضرورة ولان مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره كما أنه لا يباح له الزرع في ارض الغير ولا البناء ولا الانتفاع بساير وجوه الانتفاعات وان احتاج إليها وفي الرواية الأخرى عن أحمد انه يجوز له اجراء الماء في ارض الغير عند الحاجة بان يكون له ارض للزراعة لها ماء لا طريق له الا ارض جاره فإنه يجوز له اجراء الماء فيها وان كره المالك لما روى أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا من العريض فأراد ان يجريه في ارض محمد بن مسلمة فابى فقال له الضحاك لم تمنعني وهو منفعة لك تشربه أولا واخرا ولا يضرك فابى محمد فكلم فيه الضحاك عمر فدعا عمر محمد بن مسلمة فأمره ان يخلي سبيله فقال محمد لا والله فقال له عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشربه أولا واخرا فقال محمد لا والله فقال عمر ليمرن به ولو على بطنك فأمره عمر ان يمر به ففعل رواه مالك في موطأه وسعيد في سننه وهو خطأ لتطابق العقل والنقل على قبح التصرف في مال الغير بغير اذنه وقول عمر وفعله ليس حجة فيما لا يخالف العقل والنقل فكيف فيما يخالفهما مسألة يصح الصلح عن كل ما يجوز اخذ العوض عنه عينا كان كالدار والعبد أو دينا أو حقا كالشفعة والقصاص ولا يجوز على ما ليس بمال (والا)؟ يصح اخذ العوض عنه فلو صالحته المرأة على أن تقر له بالزوجية لم يصح لأنها لو أرادت بذل نفسها بعوض لم يجز ولو دفعت إليه عوضا عن دعوى الزوجية ليكف عنها فالأقرب الجواز وللحنابلة وجهان لان المدعي يأخذ عوضا عن حقه من النكاح فجاز كعوض الخلع والمراة تبذله لقطع خصومته وإزالة شره فجاز فان صالحته ثم ثبتت الزوجية باقرارها أو بالبينة فان قلنا الصلح باطل فالنكاح باق بحاله لأنه لم يوجد من الزوج سبب الفرقة من طلاق ولا خلع وان قلنا يصح الصلح فكذلك أيضا وعند الحنابلة انها تبين منه بأخذ العوض لأنه اخذه عما يستحقه من نكاحها فكان خلعا كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها وليس بشئ ولو ادعت ان زوجها طلقها ثلثا فصالحها على مال لترك دعواها لم يجز لأنه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلقها بعوض ولا بغيره ولو دفعت إليه مالا ليقر بطلاقها لم يجز وللحنابلة وجهان أحدهما الجواز كما لو بذلت له مالا ليطلقها مسألة لو ادعى على غيره انه عبده فأنكره فصالحه على مال ليقر له بالعبودية لم يجز لأنه يحل حراما فان ارقاق الحر نفسه لا يحل بعوض ولا بغيره ولو دفع المدعى عليه مالا صلحا عن دعواه جاز لأنه يجوز ان يعتق عبده بمال ولأنه يقصد بالدفع إليه دفع اليمين الواجبة عليه والخصومة المتوجهة إليه ولو ادعى على غيره ألفا فأنكره فدفع إليه شيئا ليقر له بالألف لم يصح فان أقر لزمه ما أقر به ويرد ما اخذه لأنا نتبين باقراره كذبه في انكاره وان الألف عليه فيلزمه أداؤه بغير عوض ولا يحل له العوض عن أداء الواجب عليه فان دفع إليه المنكر مالا صلحا عن دعواه جاز مسألة لو صالح شاهدا على أن لا يشهد عليه لم يصح لان المشهود به إن كان حقا لادمي كالدين أو لله تعالى كالزكاة فإن كان الشاهد يعرف ذلك لم يجز له اخذ العوض على تركه كما لا يجوز له اخذ العوض على ترك الصلاة وإن كان كذبا لم يجز له اخذ العوض على تركه كما لا يجوز اخذ العوض على ترك شرب الخمر وان صالحه على أن لا يشهد عليه بالزور لم يصح لان ترك ذلك واجب عليه ويحرم عليه فعله فلا يجوز اخذ العوض عنه كما لا يجوز ان يصالحه على أن لا يقتله أولا يغصب ماله وان صالحه على أن لا يشهد عليه بما يوجب الحد كالزنا والسرقة لم يجز اخذ العوض عنه لان ذلك ليس بحق له فلا يجوز له اخذ عوضه كساير ما ليس بحق له ولو صالح السارق والزاني والشارب بمال على أن لا يرفعه إلى السلطان لم يصح كذلك ولم يجز له اخذ العوض ولو صالحه عن حد القذف لم يصح لأنه إن كان لله تعالى لم يكن (يجز) له ان يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له فأشبه حد الزنا وإن كان حقا له لم يصح الصلح لأنه لا يجوز الاعتياض عنه لأنه ليس من الحقوق المالية ولهذا لا يسقط إلى بذل بخلاف القصاص ولأنه شرع لتبرئة العرض فلا يجوز ان يعاوض عن عرضه بمال والأقرب عدم سقوط الحد بالصلح وللحنابلة وجهان مبنيان على كونه حقا لله تعالى فلا يصح الصلح عنه
(١٩٤)