أئتمنه عليه بأمانة الله قلت فرجل اشترى من امرأة من بعض العباسيين بعض قطايعهم وكتب عليها كتابا قد قبضت المال ولم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها قال يمنعها أشد المنع فإنما باعته ما لم تملكه المقصد الثاني في العارية وفيه فصلان الأول الماهية والأركان فهنا بحثان الأول الماهية العارية بتشديد الياء عقد شرع لإباحة الانتفاع بعين من أعيان المال على جهة التبرع وشددت الياء كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار قاله صاحب الصحاح وقال غيره منسوبة إلى العارة وهي مصدر يقال أعار يعير إعارة وعارة كما يقال أجاب إجابة وجابة واطاق اطاقة وطاقة وقيل إنها مأخوذة من عار يعير إذا جاء وذهب ومنه قيل للبطال العيار لتردده في بطالته فسميت عارية لتحولها من يد إلى يد وقيل إنها مأخوذة من التعاور والاعتوار وهو ان يتداول القوم الشئ بينهم وقال الخطابي في غريبه ان لغة العالية العارية وقد تخفف مسألة العارية سايغة بالنص والاجماع إما النص فالكتاب والسنة إما الكتاب فقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى والعارية من جملة البر وقال تعالى ويمنعون الماعون قال أبو عبيد الماعون اسم لكل منفعة وعطية وانشد فيه بأجود منه بماعونة إذا ما سماوهم لا تغم وروى عن ابن عباس وابن مسعود انهما قالا الماعون العواري وفسر ذلك ابن مسعود فقال ذلك القدر والدلو والميزان وروى عن علي (ع) وعمر انهما قالا الماعون الزكاة واما السنة فما رواه العامة عن أبي أمامة ان النبي صلى الله عليه وآله قال في خطبته عام حجة الوداع العارية موداة والمنحة مردودة والدين مقضى والزعيم غارم وعن أمية بن صفوان ان النبي صلى الله عليه وآله استعار منه يوم خيبر ادراعا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة موداة ومن طريق الخاصة ما رواه أبو بصير عن الصادق (ع) قال سمعته يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صفوان بن أمية فاستعار منه سبعين درعا باطراقها قال فقال غصبا يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل عارية مضمونة وعن سلمة عن الصادق عن الباقر عليهم السلام قال جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صفوان بن أمية فسأله سلاحا ثمانين ردعا فقال له صفوان عارية مضمونة أو غصبا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله بل عارية مضمونة فقال نعم واما الاجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها ولأنه لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعا مسألة العارية مستحبة مندوب إليها مرغب فيها لان اقتران المانع منها في الآية مع المرائي في صلاته يدل على شدة الحث عليها والتزهيد في منعها والترغيب في فعلها ولأنها من البر وقد أمر الله تعالى بالمعاونة فيه وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم للأصل ولقول النبي صلى الله عليه وآله إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك وقال عليه السلام ليس في المال حق سوى الزكاة وسأله الأعرابي فقال له ماذا افترض الله علي من الصدقة قال الزكاة قال هل علي غيرها قال لا الا ان تتطوع وقيل إنها واجبة للآية ولما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ما من صاحب ابل لا يؤدى حقها الحديث قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما حقها قال إعارة دلوها واطراق فحلها ومنحة لبنها يوم وردها فذم الله تعالى مانع العارية وتوعده رسول الله صلى الله عليه وآله بما ذكره في خبره والجواب المراد زيادة الترغيب على أن قول علي (ع) حجة في تفسيره الماعون بالزكاة ولا ريب في وجوبها ولو حملناها على العارية فالتوعد انما وقع على الثلث قال عكرمة إذا جمع ثلاثتها فله الويل إذا سها عن الصلاة ورائي ومنع الماعون البحث الثاني في الأركان وهي أربعة الأول المعير وله شرطان ملكية المنفعة وأهلية التصرف التبرعية فلا يصح إعارة الغاصب للعين لأنه منهي عن التصرف في الغصب والإعارة تصرف ولا فرق بين ان يكون غاصبا للعين أو للمنفعة في أنه يحرم عليه اعارتها ولا يباح للمستعير التصرف فان علم وتصرف كان مأثوما ضامنا للعين والمنفعة بلا خلاف ولا يشترط ملكية العين في المعير بل ملكية المنفعة فلو استأجر عينا جاز له ان يعيرها لغيره الا ان يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه فيحرم عليه حينئذ الإعارة ولو لم يشرطه جاز له لأنه مالك للمنفعة ولهذا يجوز اخذ العوض عنها بعقد الإجارة وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار يجوز لهما ان يعيراهما مسألة وليس للمستعير ان يعير وبه قال أحمد بن حنبل والشافعية في أصح الوجهين لان الأصل عصمة مال الغير وصيانته عن التصرف فلا يباح للمستعير الثاني الا بدليل ولم يثبت ولأنه غير مالك للمنفعة ولهذا لا يجوز له ان يوجر وانما أبيح له الانتفاع والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره كالضيف الذي أبيح له الطعام ليس له ان يبيحه لغيره وقال أبو حنيفة يجوز للمستعير ان يعير وهو الوجه الأخر للشافعية لأنه يجوز اجارة المستأجر للعين فكذا يجوز للمستعير ان يعير لأنه تمليك على حسب ما ملك والفرق ان المستأجر ملك بعقد الإجارة الانتفاع على كل وجه فلهذا ملك ان يملكها واما في العارية فإنه ملك المنفعة على وجه ما اذن له فلا يستوفيه بغيره فافترقا إذا ثبت هذا فإنه يجوز للمستعير ان يستوفى المنفعة بنفسه وبوكيله ولا يكون ذلك إعارة للوكيل إذا لم تعد المنفعة إليه مسألة وشرطنا في المعير جواز التصرف فلا بد وأن يكون بالغا عاقلا جايز التصرف فلا تصح عارية الصبي لأنه ممنوع من التصرفات التي من جملتها الإعارة ولا عارية المجنون ولا المحجور عليه للسفه أو الفلس لان هؤلاء بأسرهم ممنوعون من التبرعات والإعارة تبرع وكذا ليس للمحرم إعارة الصيد لأنه ممنوع من التصرف فيه بل وليس مالكا له عند الأكثر ولو أسلم عبد الكافر تحت يده وجب بيعه من المسلمين فيجوز للكافر اعارته للمسلم مدة المساومة وكذا لو ورث أو ملك ان قلنا بصحة البيع مصحفا الركن الثاني المستعير وشرطه ان يكون معينا أهلا للتبرع عليه بعقد يشتمل على ايجاب وقبول فلو أعار أحد هذين أو أحد هؤلاء لم يصح لعدم التعيين وكل واحد لا يتعين للإعارة لصلاحية الأخر لها واستباحة منافع الغير لا يكون الا بوجه شرعي لان الأصل تحريم منافع الغير على غيره الا باذنه ولم يثبت ولو عمم المستعير جاز سواء كان التعميم في عدد محصور كقوله أعرت هذا الكتاب لهؤلاء العشرة أو في عدد غير محصور كقوله لكل الناس ولأي أحد من اشخاص الناس أو لمن دخل الدار وبالجملة الكلي معين وان لم يكن عاما كأي رجل وأي داخل واحد الشخصين مجهول مسألة شرطنا ان يكون أهلا للتبرع عليه لان من الأعيان ما لا يجوز لبعض الاشخاص الانتفاع بها فلا يجوز اعارتها لهم وذلك مثل الكافر يستعير عبدا مسلما أو أمة مسلمة على اشكال ينشأ من جواز اعارتهم ومن السلطنة عليهم والتسلط ولثبات السبيل وقد نفاه الله تعالى بقوله ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بخلاف استيجاره الذي هو في مقابلة عوض والأقرب الكراهة وكذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم وغيره تكرمة للكتاب العزيز وصيانة عن من لا يرى له حرمة واما استعارة أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وأحاديث أهل بيته الأئمة المعصومين عليهم السلام فإنها مبنية على جواز شرائهم لها فان منعناه منعنا من الإعارة والا فلا مسألة لا يحل للمحرم استعارة الصيد من المحرم ولا من المحل لأنه يحرم عليه امساكه فلو استعاره وجب عليه ارساله وضمن للمالك قيمته ولو تلف في يده ضمنه أيضا بالقيمة لصاحبه المحل وبالجزاء لله تعالى بل يضمنه بمجرد الامساك وان لم يشترط صاحبه الضمان عليه فلو دفعه إلى صاحبه برئ منه وضمن لله تعالى ولو استعار المحرم صيدا من محرم وجب على كل واحد
(٢٠٩)