الحاكم وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يبيعه ولكن يحبس الراهن حتى يبيع ولو كان الراهن غايبا أثبت المرتهن الرهن عند الحاكم حتى يبيعه فإن لم يكن له بينة أو لم يكن في البلد حاكم فله بيعه بنفسه كما أن من ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولا بينة له يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه. مسألة: لو اذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن بنفسه صح الاذن فان باع بالاذن صح البيع سواء كان الراهن حاضرا وقت البيع أو غائبا وللشافعي وجهان إذا باع في الغيبة أحدهما كما قلناه من الصحة وبه قال مالك واحمد وأبو حنيفة كما لو اذن له في بيع مال اخر وأصحهما عندهم المنع لأنه يبيعه لغرض نفسه فيكون متهما في الاستعجال وترك النظر وان باعه بحضوره صح لانقطاع التهمة وهو ظاهر قول الشافعي حيث قال ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق ان يبيعه لم يجز ان يبيع بنفسه الا بان يحضر رب الرهن وفيه وجه انه لا يصح أيضا لأنه توكيل فيما يتعلق بحقه فعلى هذا لا يصح توكيله ببيعه أصلا ويتفرع عليه انه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن فإن كان الرهن مشروطا في بيع فالبيع باطل وإن كان رهن تبرع فعلى القولين في الشروط الفاسدة النافعة للمرتهن انها هل تبطل الرهن ولو اذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة فهو كاذن الراهن للمرتهن وكذا اذن السيد المجني عليه في بيع العبد والحق عندنا صحة البيع في الغيبة والحضور وصحة التوكيل عملا بمقتضى العقود. مسألة: لو قال الراهن للمرتهن بع المرهون لي واستوف الثمن ثم استوفه لنفسك صح البيع والاستيفاء للراهن ثم لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرد إدامة اليد والامساك لان قوله ثم استوف لنفسك مشعر باحداث فعل فلا بد اذن من وزن جديد أو كيل جديد ولو كانت الصيغة ثم امسكه لنفسك فلابد من احداث فعل أيضا عند بعض الشافعية وقال بعضهم يكفي مجرد الامساك والأول أظهر عندهم ثم إذا استوفاه لنفسه فيه وجهان لاتحاد القابض والمقبض فان صححناه وهو الأقوى عندي برئت ذمة الراهن عن الدين والمستوفي من ضمانه وان أفسدناه وهو الأصح عندهم لم يبرء ولكن يدخل المستوفي لضمانه أيضا لان القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان ولو قال بعه لي واستوف الثمن لنفسك صح البيع ولم يصح استيفاء الثمن عند الشافعي لأنه ما لم يصح قبض للراهن لا يتصور منه القبص لنفسه وهنا كما قبضه يصير مضمونا عليه والوجه الصحة لان قوله استوف الثمن لنفسك يتضمن التوكيل ولو قال بعه لنفسك فللشافعي قولان أصحهما ان هذا الاذن باطل ولا يمكن من البيع لأنه لا يتصور ان يبيع الانسان مال غيره لنفسه والثاني انه يصح اكتفاء بقوله بعه والغاء لقوله لنفسك وأيضا فان السابق إلى الفهم منه الامر بالبيع لغرضه وهو التوسل به إلى قضاء الدين ولو اطلق وقال بعه ولم يقل لي ولا لنفسك فللشافعية وجهان أصحهما صحة الاذن والبيع ووقوعه للراهن كما لو قال لأجنبي بعه والثاني المنع لان البيع مستحق للمرتهن بعد حلول الحق والكلام مفروض فيه وإذا كان كذلك يقيد الاذن به وصار كأنه قال بعه لنفسك ولأنه متهم في ترك النظر استعجالا للوصول إلى الدين وعلى التعليلين لو كان الدين مؤجلا فقال بعه صح الاذن لعدم الاستحقاق والتهمة فان قال بعه واستوف حقك من ثمنه جاءت التهمة وهذا عندنا ليس بشئ ولو قدر له الثمن لم يصح عندهم على التعليل الأول وصح على الثاني وكذا لو كان الراهن حاضرا عند البيع. الفصل الرابع: في حكم الرهن في الضمان. مسألة: الرهن في يد المرتهن أمانة لا يسقط بتلفه شئ ء من الدين ولا يلزمه ضمانه الا إذا تعدى فيه عند علمائنا أجمع وبه قال علي (ع) وعطا والزهري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور واحمد وابن المنذر ولما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه والمراد بالغنم الاستفادة والنماء والزيادة والغرم النقصان والتلف ومعنى من صاحبه انه من ضمان صاحبه ومعنى لا يغلق اي لا يملكه المرتهن بالارتهان ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) وقد سأل ه عبيد بن زرارة رجل رهن سوارين فهلك أحدهما قال يرجع عليه فيما بقي وعن الحلبي في رجل يرهن عند الرجل رهنا فيصيبه شئ أو يضيع قال يرجع بماله عليه ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن كالزيادة على قدر الدين وكالكفيل والشاهد ولأنه مقبوض بعقد واخذ بعضه أمانة فكان جميعه أمانة كالوديعة ولان الرهن شرع وثيقة للدين فهلاك محله لا يسقط كموت الكفيل وروى عن شريح والنخعي والحسن البصري ان الرهن يضمن بجميع الدين وإن كان أكثر من قيمته لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال الرهن بما فيه وهو محمول على التعدي وقال مالك إن كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق فمن ضمان الراهن وان ادعى تلفه بأمر خفي لم يقبل قوله وضمن ويبطل بان ما لا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب ونقل عنه أيضا انما يظهر هلاكه كالحيوان والعقار والأشجار أمانة وما يخفى هلاكه كالنقود والعروض مضمون بالدين لأنه متهم فيه وقال الثوري وأصحاب الرأي يضمنه المرتهن بأقل الامرين من قيمته أو قدر الدين فإن كانت قيمته أقل سقط بتلفه من الدين قدر قيمته والا سقط الدين فلا يضمن الزيادة ورووه عن عمر بن الخطاب لما رواه عطا ان رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره بذلك فقال ذهب حقك ولأنها غير مقبوضة للاستيفاء فيضمنها من قبضها كالمبيع إذا حبس لاستيفاء ثمنه وحديث عطا مرسل قال الدارقطني برواية إسماعيل بن أمية وكان كذابا وقيل يرويه مصعب بن ثابت وكان ضعيفا ويحتمل انه أراد ذهب حقك من الوثيقة بدليل انه لم يسأل عن قدر الدين وقيمة الفرس إذا عرفت هذا فلو شرط الراهن ان يكون مضمونا على المرتهن لم يصح الشرط وكان فاسدا ويصح الرهن ولو فرط المرتهن في الحفظ أو تعدى فيه كان ضامنا له. مسألة: إذا برى الراهن عن الدين بأداء أو ابراء أو حوالة كان الرهن أمانة أيضا في يد المرتهن ولا يصير مضمونا عليه الا إذا طلبه الراهن وامتنع من الرد بعد المطالبة وقال بعض الشافعية يكون المرتهن بعد الابراء كمن طير الريح ثوبا إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يرده لأنه لم يرض بيده الا على سبيل الوثيقة وبالجملة فالرهن بعد القضاء أو الابراء أو شبهه أمانة في يد المرتهن عند علمائنا وبه قال الشافعي واحمد وقال أبو حنيفة إذا قضاه كان مضمونا وإذا أبراه (أو رهنه) ووهبه لم يكن مضمونا استحسانا وهو تناقض فان القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرأ منه وعندنا انه كان أمانة وبقي على ما كان عليه وليس عليه رده لأنه امسكه بإذن مالكه ولا يختص بنفعه فهو كالوديعة بخلاف العارية المضمونة فإنه يختص بنفعها وبخلاف ما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا لزمه رده إلى مالكه لان مالكه لم يأذن في امساكه ولو سأل مالكه في هذه الحال دفعه إليه لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه مع الامكان فإن لم يفعل صار ضامنا كالمودع إذا امتنع من رد الوديعة عند طلبها ولو كان امتناعه لعذر مثل ان يكون بينه وبينه طريق مخوف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه أو خاف فوت صلاة واجبة أو كان به مرض أو جوع شديد وشبهه فاخر التسليم لذلك فتلف فلا ضمان عليه لأنه لا تفريط منه فأشبه المودع مسألة: إذا فسد الرهن وقبضه المرتهن لم يكن عليه ضمان لأنه قبضه بحكم انه رهن وكل عقد كان صحيحة غير مضمون ففاسدة كذلك وكل عقد كان صحيحة مضمونا ففاسدة مثله إما الأول فلان الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولي باقتضائه واما الثاني فلان من أثبت اليد عليه أثبته عن اذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا ولا يكاد يوجد التسليم والتسلم الا من معتقدي الصحة إذا عرفت هذا فان أعار المرهون من المرتهن لينتفع به ضمنه عند الشافعي لان العارية مضمونة عنده ولا يضمنه عندنا ولا عند أبي حنيفة لان العارية غير مضمونة فإذا كان الرهن أرضا واذن الراهن له في الغراس بعد شهر فهي بعد الشهر عارية وقبله أمانة فان غرس قبل الشهر قلع لأنه متعد فيه وظالم وقال (ع) ليس لعرق ظالم حق ولو غرس بعده فقد غرسه بإذن الراهن لأنه ملكه إياه بعد انقضاء الشهر وكان مأذونا له في التصرف وإن كان البيع فاسدا فان أراد المرتهن قلعه ونقله كان له لأنه عين ماله وان امتنع من قلعه تخير الراهن بين ان يقره في ارضه فيكون الأرض للراهن والغرس للمرتهن
(٣٢)