يدخلها الغرر الذي لا يحتمل المعاوضة الركن الرابع الصيغة مسألة لما كان الأصل في الأموال العصمة لم يبح شئ منها على غير مالكها الا بالرضى منه ولما كان الرضي من الأمور الباطنة الخفية تعذر التوصل إليه قطعا فاكتفى فيه بالظن المستفاد من العبارات والألفاظ وما يقوم مقامها ولا يختص لفظ بعينه بل المعتد به في هذا الباب كل لفظ يدل على الاذن في الانتفاء بالعين مع بقائها مطلقا أو مدة معينة كقوله أعرتك أو أذنت لك في الانتفاع به أو انتفع به أو خذه لتنتفع به وما أشبه ذلك ولا يشترط القبول نطقا فلو قال أعرتك جاز له الانتفاع وان لم يتلفظ بالقبول لأنه عقد ضعيف لأنه يثمر إباحة الانتفاع وهي قد تحصل بغير عقد كما لو حسن ظنه بصديقه كفي في الانتفاع عن العقد وكما في الضيف بخلاف العقود اللازمة فإنها موقوفة على الفاظ خاصة اعتبرها الشرع مسألة والأقرب عندي انه لا يفتقر العارية إلى لفظ بل يكفي قرينة الاذن بالانتفاع من غير لفظ دال على الإعارة أو الاستعارة لا من طرف المعير ولا من طرف المستعير كما رآه عاريا فدفع إليه قميصا فلبسه تمت العارية وكذا لو فرش لضيفه فراشا وبساطا أو مصليا أو حصيرا أو القى إليه وسادة فجلس عليها أو مخدة فاتكا عليها كان ذلك إعارة بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة لأنه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه وهو قول بعض الشافعية قضاء بالظاهر وقد قال (ع) نحن نقضي بالظاهر وقال بعضهم يعتبر اللفظ من جهة المعير ولا يعتبر من جهة المستعير وانما يعتبر منه القبول إما باللفظ أو بالفعل وقال بعضهم لابد من اللفظ من أحد الطرفين ولا يشترط أحدهما عينا بل إما لفظ المعير أو المستعير وفعل الأخر فلو قال المالك أعرتك أو انتفع به إلى غير ذلك من الألفاظ فأخذه المستعير تمت العارية ولو قال المستعير أعرني فسلمه المالك إليه صحت العارية وكان كما لو قال خذه لتنتفع به واخذه تشبيها للإعارة بإباحة الطعام والأقرب ما تقدم وقد جرت العادة بالانتفاع بظرف الهدية المبعوثة إليه واستعماله كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها فإنه يكون عارية لأنه منتفع بملك الغير بإذنه وان لم يوجد لفظ يدل عليها بل شاهد الحال مسألة لو قال أعرتك حماري لتعيرني فرسك فهي اجارة فاسدة وعلى كل واحد منهما اجرة مثل دابة الأخر وكذا لو اعاره شيئا بعوض مجهول كما لو اعاره دابته ليعلفها أو داره ليطين سطحها وكذا لو كان العوض معلوما ولكن مدة الإجارة مجهولة كما لو قال أعرتك داري بعشرة دراهم أو لتعيرني في ثوبك شهرا هكذا قاله بعض الشافعية وليس بجيد بل هي عارية مشروط فيها استعارة أو نفع مجهول فتكون الأولى صحيحة له الانتفاع إذا فعل الشرط والثانية له الانتفاع بالاذن ولا تضر الجهالة في العوض ولا في المدة لكونها من العقود الجايزة وقال بعض الشافعية انها عارية فاسدة فتكون مضمونة عليه بناء منهم على أن العارية الصحيحة مضمونة نظرا إلى اللفظ وعلى القول بأنها اجرة فاسدة لا تكون مضمونة ولو بين مدة الإعارة وذكر عوضا معلوما فقال أعرتك هذه الدار شهرا من اليوم بعشرة دراهم ولتعيرني ثوبك شهرا من اليوم ففي كونه اجارة صحيحة أو إعارة فاسدة للشافعية وجهان مبنيان على أن النظر إلى اللفظ أو المعنى ولو دفع دراهم إلى رجل وقال اجلس على هذا الحانوت واتجر عليها لنفسك أو دفع إليه بذرا وقال ازرع به هذه الأرض فهو معير للحانوت والأرض واما الدراهم والبذر فإن كان قد قبلها على سبيل الهبة حكم بها والا فهو قرض وللشافعية قولان أحدهما انه قرض والثاني انه هبة مسألة إذا قال أعرتك فرسي لتعيرني حمارك فقد بينا انها عارية للفرس بشرط ان يعيره المستعير لكن لا يجب على المستعير للفرس إعارة حماره لأصالة عدم الوجوب فان اعاره إياه استباح منفعة الفرس وان لم يعره لم يبح له الانتفاع فان انتفع به كان عليه الأجرة إذا الاذن في الانتفاع لم يقع مطلقا بل مع سلامة نفع الحمار فإذا لم يسلم كان له المطالبة بالعوض الفصل الثاني في الاحكام ومباحثه ثلاثة الأول في التسلط والرجوع مسألة العارية عقد جايز من الطرفين بالاجماع لكل منهما فسخه فللمالك الرجوع فيه متى شاء وكذا للمستعير الرد متى أراد لان العارية تبرع وتفضل بالمنفعة فلا يناسب الالزام فيما يتعلق بالمستقبل وليس للمالك المطالبة بعوض عن المنفعة التي استوفاها المستعير قبل علم الرجوع ولو رجع قبل ان يعلم المستعير فالأقرب انه كذلك لا عوض له ولو رجع وعلم المستعير برجوعه ثم استعمل فهو غاصب عليه الأجرة الا إذا أعار لدفن ميت مسلم ثم رجع بعد الدفن لم يصح رجوعه ولا قلع الميت ولا نبش القبر الا ان يندرس اثر الميت لما فيه من هتك حرمة الميت ولا نعلم فيه خلافا إما لو رجع قبل الحفر أو بعده قبل وضع الميت فإنه يصح رجوعه ويحرم دفنه فيه ولو رجع بعد وضع الميت في القبر وقبل ان يواريه في التراب فالأقرب له الرجوع أيضا ومؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن لازمة لولي الميت ولا يلزم ولي الميت الطم لان الحفر مأذون فيه مسألة لو نبتت في القبر شجرة كان لمالك الأرض سقيها لان ان يفضى السقي إلى ظهور شئ من الميت فيحرم لأنه نبش في الحقيقة واعلم أن الدفن من جملة منافع الأرض كالبناء والغراس فإذا اطلق إعارة الأرض لم يكن له الدفن فيها لان مثل هذه المنفعة لا يكفي فيها اطلاق الإعارة بل يجب ذكرها بالنصوصية بخلاف ساير المنافع لأن هذه المنفعة يقتضي تسلط المستعير على المعير بما فيه ضرر لازم ولو قدر تسليطه عليها كان ذلك ذريعة إلى الزام إعارة الأرضين مسألة لا تخلو العين التي تعلقت بها العارية إما ان يكون جهة الانتفاع فيها واحدة أو أكثر فإن كانت واحدة لا ينتفع بالمستعار به الا بجهة واحدة كالدراهم والدنانير التي لا ينتفع بها الا بالتزين والبساط الذي لا ينتفع به الا في فرشه والخيمة التي لا منفعة لها الا الاكتنان والدار التي لا منفعة فيها الا السكنى ومثل هذا لا يجب التعرض للمنفعة ولا ذكر وجه الانتفاع بها لعدم الاحتياج إليه إذ المقتضي للتعيين في اللفظ حصر أسباب الانتفاع وهو في نفسه محصور فلا حاجة له إلى مايز لفظي وان تعددت الجهات التي يحصل بها الانتفاع كالأرض التي تصلح للزراعة والغرس والبناء والدابة التي تصلح للحمل والسقي والركوب فلا يخلو إما ان يعمم الاذن أو يخصصه بوجه واحد أو أزيد أو يطلق فان عمم جاز له الانتفاع بسائر وجوه الانتفاعات المباحة المتعلقة بتلك العين كما لو اعاره الأرض لينتفع بها في الزرع والغرس والبناء وغير ذلك بلا خلاف وان خصص الوجه كان يعيره الأرض للزرع أو البناء أو الغرس اختص التحليل بما خصصه المعير وبما ساواه وقصر عنه في الضرر ما لم ينص على التخصيص ويمتنع من التخطي إلى غيره فلا يجوز له التجاوز قطعا وان اطلق فالأقوى ان حكمه حكم التعميم لأن اطلاق الاذن في الانتفاع يشعر بعمومه والرضي بجميع وجوهه إذ لا وجه من الوجوه أولي يجوز التصرف من الآخر وهو أحد وجهي الشافعية والثاني انه تبطل العارية لانهم اختلفوا في أنه هل يشترط في العارية التعرض لجهة الانتفاع فشرطه بعضهم لان الإعارة معونة؟
شرعية جوزت للحاجة فليكن على حسب الحاجة ولا حاجة إلى الإعارة المرسلة وبعضهم لم يشترط بخلاف الإجارة لان الجهالة في الإعارة غير مضرة بخلاف الإجارة لأنه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الإجارة ولان الجهالة انما تؤثر في العقود اللازمة والإعارة إباحة فجاز فيها الاطلاق كإباحة الطعام فإذا اعاره أرضا مطلقا كان له ان ينتفع بها بسائر وجوه الانتفاعات وجميع ماء العين معدة له في الانتفاع مع بقاع العين كالزرع