ما قاله أبو حنيفة ومحمد مسألة لا فرق في ثبوت الرجوع بين ان يشترط الرجوع أو لا يشترط وبه قال أكثر الشافعية وقال الجويني يحتمل في القياس ان ينزل الاذن في الضمان أو الأداء منزلة الاذن في الأداء من غير ضمان حتى نقول إن شرط الرجوع ثبت له الرجوع والا فلا كما في الاذن في الأداء من غير سبق ضمان وان لم يشترط فعلى الخلا ف والمعتمد ما قلناه مسألة لو تبرع بالضمان والأداء معا فإنه لا يرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه عند علمائنا كافة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وابن المنذر واحمد في إحدى الروايتين لحديث علي (ع) وأبي قتادة بان النبي صلى الله عليه وآله صلى على الميتين بعد ضمانهما ما عليهما ولو كان لهما الرجوع لما صلى لبقاء الدين في ذمتهما ولأنه صلى الله عليه وآله قال الان بردت جلده على النار ولو بقي الدين لما حصل التبريد ولأنه لو بقي الدين لما قال لعلي (ع) جزاك الله عن الاسلام خيرا فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك ولولا براءة الذمة لما حصل فك الرهان ولأنه تبرع بذلك فلا يرجع عليه كما لو علف دوابه وأطعم عبيده بغير اذنه وقال مالك واحمد في الرواية الثانية انه يرجع بما أدى وهو قول عبد الله بن الحسن وإسحاق لأنه قضاء مبرئ من دين واجب فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه ولأن الضمان بغير اذنه صحيح فإذا ألزمه الدفع عنه رجع عليه كما لو كان بأمره والفرق بين الضامن والحاكم ظاهر لان للحاكم الاستدانة عن الممتنع والدفع بخلاف الضامن والفرق بين الامر بالضمان والأداء وعدمه فلا يصح القياس مسألة لو ضمن متبرعا بغير سؤال وأدى المال بالسؤال لا يرجع هنا أيضا عند علمائنا وهو أظهر وجهي الشافعية لان الدين لزمه بتبرعه فان اللزوم باعتبار الضمان ولم يأذن فيه وأمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب عليه بالضمان كما لو امره بقضاء دينه الذي وجب عليه بالأصالة كما لو إذن غير المضمون عنه وللشافعي وجه اخر انه يرجع وبه قال احمد لأنه دفع بأمره فأشبه ما إذا ضمن بأمره وما إذا لم يكن ضامنا ولأنه أسقط الدين عن الأصيل باذنه وليس بصحيح لأنه لا يملك مطالبته بفكه فلا يرجع عليه إذا فك نفسه والفرق بين ما إذا ضمن باذنه وبغير اذنه ظاهر فلا يصح القياس والحكم في غير الضامن ممنوع على ما تقدم واسقاط الدين مستند إلى ضمان الذي تبرع به والاذن انما كان في اسقاط الدين عن الضامن لا عنه وبعض الشافعية رتب الوجهين على الوجهين فيما إذا أدي دين الغير بإذنه من غير ضمان ومن غير شرط الرجوع قال وهذه الصورة أولى بمنع الرجوع لان الاذن في الأداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو وذكر احتمالين فيما إذا إذن في الأداء بشرط الرجوع والحال هذه أحدهما يرجع كما لو إذن في الأداء بهذا الشرط من غير ضمان والثاني ان الأداء مستحق بالضمان والمستحق بلا عوض لا يجوز ان يقابل بعوض كساير الحقوق الواجبة مسألة لو ضمن بسؤال وأدى بغير سؤال ولا إذن فإنه يرجع الضامن عليه عند علمائنا وبه قال مالك واحمد والشافعي في أحد الوجوه لان الضامن لم يتبرع بالضمان بل نقل المال إلى ذمته غير متبرع بل بسؤال المضمون عنه والأصل في الباب الالتزام وقد صادفه الاذن فيكتفي به في الرجوع ولان اذنه في الضمان يتضمن الاذن في الأداء لأن الضمان يوجب عليه الأداء فكان له الرجوع عليه كما لو إذن في الأداء والثاني للشافعي لا يرجع لان الغرم حصل بغير إذن الأصيل وربما لم يقصد الا التوثيق بالضمان ولأنه دفع بغير امره فكان كما لو ضمن بغير امره وقصد التوثيق يستلزم قصد الأداء عنه لأن الضمان عندنا ناقل والقياس باطل للفرق وهو ما تقدم من أن الأصل في الالتزام انما هو الضمان لا الأداء والثالث ان أدى من غير مطالبة أو عن مطالبته لكن امكنه مراجعة الأصيل واستيذانه فلم يفعل لم يثبت له الرجوع لأنه لم يكن مضطرا إلى الأداء عنه فكان متبرعا به وان لم يتمكن من مراجعته لغيبة أو حبس أو غير ذلك فله الرجوع والحق ما تقدم من وجوب المال بالضمان المأذون فيه وانه لا عبرة بالأداء وكذا لو وكله في أن يشتري عبدا له بألف فاشتراه فان الوكيل يطالب بالثمن فان أدى من ماله فإنه يرجع عندنا إذا لم يكن البايع علما بالوكالة للشافعية الوجوه الثلاثة فيه مسألة لو أحال الضامن المضمون له بالدين الذي ضمنه على انسان وقبل المحتال والمحال عليه الحوالة كان كالأداء في صورة الرجوع له على المضمون عنه في كل موضع ثبت له الرجوع فيه وعدمه في موضع العدم ولو أحال رب المال غريما له على الضامن بالمال الذي ضمنه له فقبل الضامن الحوالة عليه كان كالأداء أيضا يرجع فيما يرجع في الأداء ولو تصالح المضمون له والضامن على مال الضمان على عوض كان كالأداء أيضا ولو صار الدين ميراثا للضامن كان كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه النظر الرابع فيما به يرجع الضامن مسألة إذا دفع الضامن المال إلى ربه وكان قد ضمن بسؤال المضمون عنه وكان المدفوع من جنس الدين وعلى صفته رجع به وان اختلف الجنس فالمأذون له في الضمان لو صالح رب الدين على غير جنسه رجع اجماعا لأن الضمان سبب لاثبات الحق في ذمته بثبوته في ذمة الأصيل والمصالحة معاملة مبنية عليه ثم ننظر إن كانت قيمة المصالح عليه أكثر من قدر الدين لم يرجع بالزيادة لأنه متطوع بها وإن كانت أقل كما لو صالح عن الف على عبد يساوي ستمائة لم يرجع الا بستمائة لا غير وهو أصح وجهي الشافعية لما رواه عمر بن زيد عن الصادق (ع) في رجل ضمن على رجل ضمانا ثم صالح عليه قال ليس له الا الذي صالح عليه وعن ابن بكير قال سألت الصادق (ع) عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح على بعض ما عليه قال ليس له الا الذي صالح عليه ولأنه لم يغرم الا سواها وبه قال احمد والثاني انه يرجع بالألف لأنه قد حصل براءة ذمته بما فعل ومسامحة رب الدين جرت معه ولو باع العبد بألف وتقاصا احتمل الرجوع بالألف لأنه ثبت في ذمته الف وقيمة العبد لأن الضمان وضع للارتفاق والشافعية على الأول خاصة مسألة لا فرق بين ان يدفع الأقل أو الأكثر في القدر أو الوصف فيما ذكرنا فلو ضمن ألفا مكسرة ودفع ألفا صحيحة لم يكن له الرجوع الا بالمكسرة لأنه تبرع بالزيادة فلا يرجع بها ولو انعكس الفرض فضمن ألفا صحيحة وأدى ألفا مكسرة لم يكن له الرجوع بالصحيحة الا بالمكسرة لأنه انما يرجع بما غرم وبالأقل من المغروم والمال وللشافعية فيما إذا أدى الضامن الأجود قولان أحدهما ان فيه الخلاف المذكور في اختلاف الجنس والثاني القطع بأنه يرجع بما أدى والفرق ان غير الجنس يقع عوضا والمكسرة لا يقع عوضا عن الصحاح ولا يبقى الا رعاية حكم الايفاء والاستيفاء مسألة لو ضمن ألفا ودفع إليه عبدا قيمته ستمائة فقال للمضمون له بعت منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان ففي صحة البيع وجهان للشافعية فان صححنا البيع رجع بالأقل عندنا من المال المضمون ومن قيمة العبد وهو أحد وجهي الشافعية وفي الثاني يرجع بما ضمنه ولو لم يضمن بل إذن له المديون في الأداء بشرط الرجوع لو صالح رب الدين على غير جنسه فهل له الرجوع أو لا للشافعية ثلاثة أوجه أصحها عندهم ان له الرجوع لان مقصوده ان تبرئ ذمته وقد فعل وثانيها ليس له الرجوع لأنه انما إذن في الأداء دون المصالحة وثالثها الفرق بين أن يقول أد ما علي من الدنانير مثلا فلا يرجع وبين ان يقتصر على قوله أد ديني أو ما علي فيرجع ويرجع بما سبق في الضامن مسألة لو ضمن عشرة وأدى خمسة وأبراه رب المال عن الباقي لم يرجع الضامن الا بالخمسة التي غرمها وتسقط الخمسة الأخرى عن الأصيل عندنا لان ابراء الضامن يستلزم ابراء المضمون عنه خلافا للجمهور فإنهم قالوا تبقى الخمسة في ذمة الأصيل يطالبه بها المضمون له لان ابراء الضامن لا يوجب براءة الأصيل ولو صالحه من العشرة على خمسة لم يرجع الا بالخمسة أيضا لكن يبرأ الضامن والأصيل عن الباقي وإن كان صلح الحطيطة ابراء في الحقيقة عند الشافعية لان لفظ الصلح يشعره برضى المستحق بالقليل عن الكثير بخلاف ما إذا صرح بلفظ
(٩٥)