بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا وفيه مقدمة ومقاصد إما المقدمة ففي ماهيتها وتسويغها الوصية تمليك عين أو منفعة بعد الموت تبرعا وهي مشتقة من قولهم وصي إليه بكذا يصيه صيتة إذا وصل به وارض واصيته اي متصلة النبات فسمى هذا التصرف وصيته لما فيه من وصلة القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجزة في الحياة فكأنه وصل تصرفه في حياته بتصرفه بعد مماته يقال أوصيت لفلان بكذا ووصيت واوصى إليه جعله وصيه وهي جايزة بالنص والاجماع قال الله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين وقال تعالى من بعده وصية يوصي بها أو دين وقال تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان الآية وما رواه العامة عن سعيد بن معاذ قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وآله يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثني الأبنية أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال والثلث كثير انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وعن علي (ع) قال إنكم تقرؤون هذه الآية من بعد وصية يوصي بها أو دين وان النبي ص () قضي ان الدين قبل الوصية قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما حق امرء له شئ يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة فسال عن البراء بن مغرور فقيل إنه هلك واوصى لك بثلث ماله فقبل ثم رد على ورثته وقال (ع) ان الله عطاكم ثلث أموالكم في اخر اعماركم زيادة في أعمالكم ومن طريق الخاصة ما رواه حماد بن عثمان في الصحيح قال قال الصادق (ع) ما من ميت تحضره الوفاة الا أراد الله عليه من بصره وسمعه وعقله للوصية اخذ الوصية أو ترك وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على كل مسلم وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلم قال الوصية على كل مسلم وعن علي (ع) قال الوصية تمام ما نقص من الزكاة وقال الصادق (ع) مرض علي بن الحسين (ع) ثلث مرضات في كل مرضة يوصي بوصية فإذا افاق المريض وصية وقد أجمع العلماء كافة في جميع الأمصار على صحة الوصية وجوازها إذا عرفت هذا فعندنا ان الوصية واجبة لمن عليه حق للآيات السابقة ولما رواه الصادق (ع) عن الباقر (ع) قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية وقال رسول اله صلى الله عليه وآله من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله وعن أبي حمزة عن أحدهما (ع) قال إن الله تعالى يقول ابن ادم تطولت عليك بثلثه سترت عليك ما لو علم به أهلك ما وأروك وأوسعت عليك واستقرضت منك لك فلم تقدم خير أو علت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ولان ذمته مشغولة بالحق الذي عليه فإذا لم يوص فقد فرط في أداء الحق الواجب فكان مأثوما ولا فرق بين ان يكون الحق الذي عليه لله تعالى كالزكاة والخمس والحج أو الدين لادمي وهل تجب على من ليس عليه حق الأقرب العدم لأصالة براءة الذمة وقيل بالوجوب مطلقا والا فضل تعجيل الصدقة في الحياة لقوله (ع) أفضل الصدقة ان تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وإذا أراد الوصية فالأفضل تقديم من لا يرث أقاربه ويقدم منهم المحارم ثم غير المحارم ثم يقدم بالرضاع المقصد الأول في أركان الوصية وفيه فصول الأول في الصيغة وفيه مباحث الأول الايجاب ولا بد من الايجاب في الوصية ولفظه الصريح (اوصتت؟) له بكذا أو أعطوا فلانا بعد موتي كذا أو ادفعوا إليه بعد موتي أو جعلت له بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا وكذا كل لفظ دل على ذلك القصد مثل ملكته بعد موتي أو وهبته بعد موتي بعد موتي ولو اقتصر على قوله وهبت منه وفى الوصية فالأقرب أنه يكون وصية لأنه أبلغ في التمليك من قوله ا وصيت وأظهر وجهي الشافعية انه لا يكون وصية لأنه أمكن تنفيذ في موضوعه وهو التمليك المتأخر ولو قال هوله فهو اقرار يؤخذ به ولا يجعل كناية عن الوصية لأنه لا يصلح اقرار أو يحتمل ان يرجع إلى نيته فإذا قال نويت انه له بعد الموت كان وصية لاحتمال الفظة وهو اعرف بنية وقصده فيرجع إليه فيه ولو قال عينت له فهو كناية لأنه يحتمل التعيين للتمليك بالوصية ولا تعيين للإعارة والاخدام في الحال فلا ينصرف إلى الوصية الا بالتعيين فان عين صحت بالكناية مع النية وللشافعية وجهان أحدهما ينفذ ولتعيين الوصية بالكنايات جزما فلان الوصية في نفسها تقبل التعليق بالاغرار فأشبهت ما تقبل التعليق الا قرار كالكنايات والخلع ينعقد بالكناية مع النية فالوصية أولي لأنها إذا قبلت التعليق بالاغرار فبان تقبل الكنايات أولي لان الوصية لا تفتقر إلى القبول في الحال فيشبه ما يستقل به الانسان من التصرفات مسألة لا تنعقد الوصية الا باللفظ مع القدرة عليه فلو كتب بخطه انى قد أوصيت لفلان بكذا لم ينفذ إذا كان الشخص ناطقا قاله بعض الشافعية كما لو قيل له أوصيت لفلان بكذا فأشار أي نعم ويحتمل القبول مع قيام الإشارة مع الكتابة مقام التصريح باللفظ في العلم بما دل اللفظ عليه من الوصية ولان الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ وقد بينا جواز الوصية بالكناية التي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة فإذا كتب وقال نويت الوصية لفلان أو اعترف الورثة بعد موته به وجب ان يصح إما لو اعتقل لسانه ولم يتمكن من النطق فكتب الوصية أو أشار بما يدل على الرضا بها أو قيل له أوصيت بكذا فيشير برأسه نعم أو يقرا عليه كتاب الوصية فأشار بها فإنها تصح وبه قال الشافعي لما رواه العامة ان امامة بن أبي العاص أصمتت فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت ان نعم فجعل ذلك وصية ومن طريق الخاصة ما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق (ع) ان أباهم حدثهم ان امامة بنت أبي العاص ابن الربيح وأمها زينب بنت رسول الله تزوجها علي (ع) بعد فاطمة (ع) فخلف عليها بعد علي المغيرة بن نوفل وانها توجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها فأتاها الحسن والحسين (ع) وهي لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان والمغيرة كاره يقولان أعتقت فلانا واهله فتشير برأسها نعم أم لا قلت فأجاز ذلك قال نعم وعن سدير عن الباقر (ع) قال دخلت علي محمد بن الحنفية وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصية فلم يجب قال فأمرت بالطشت فجعل فيه الرمل فقلت له فخط بيدك قال فخط وصيته بيده إلى رجل (ونخت) انا في صحيفة ولأنه غير قادر على النطق فصحت وصيته بالإشارة كالأخرس وقال أبو حنيفة واحمد لا تصح الوصية الا ان يكون مأيوسا من نطقه لأنه لو لم يويس من نطقه؟ فلا يقوم إشارته مقام نطقه كالساكت والفرق ان الساكت قادر على الكلام مسألة إذا وجدت وصيته بخط الميت ولم يكن اشهد عليها ولا أقر بها لم يجب على الورثة العمل بها بل لهم ردها وابطالها سواء عملوا بشئ منها أولا وقال الشيخ ره يتخير الورثة بين العمل بها وبين ردها وابطالها فان عملوا بشئ منها لزمهم العمل بجميعها لما رواه إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إلى أبي الحسن (ع) رجل كتب كتابا فيه ما أراد ان يوصي به هل يجب على الورثة القيام بما في ذلك الكتاب بخطه ولم يأمرهم بذلك فكتب إن كان ولده ينفذون شيا وجب عليهم ان ينفذوا كل شئ يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر وغيره وتحمل هذه الرواية على أنهم اعترفوا بصحة هذا الخط فحينئذ يجب العمل بالجميع واختلفت الشافعية فقال أكثرهم لا تنفذ بذلك وصية وقال بعضهم إذا وجب له كتاب وصيته بعد موته ولم تقم بينة على مضمونه وجب العمل به وقال احمد من كتب وصيته ولم يشهد فيها وعرف خطه وكان مشهورا بالخط حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها لقول النبي ماحق امرء مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين الا وصيته مكتوبة عنده ولم يذكر شهادته ولان الوصية يتسامح فهيا ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر وصحة الوصية للحمل وبه وبما لا يقدر على تسليمه وبالمعدوم والمجهول فجاز ان يتسامح فيها بقول الخط كرواية الحديث ولا دلالة فيه فان المراد كتبته وصية يعتد العمل بها وذلك انما يتم الاشهاد فيها والتسامح فيها بما ذكر لا يوجب ثبوتها بغير بينة ولهذا نص الله تعالى على وجود الاشهاد بقوله اثنان ذوا عدل منكم مسألة لو كتب وصيته وقال للشهود اشهدوا على بما في هذه الورقة ولم يطلعهم على ما فيها أو اشهد جماعة ان الكتاب خطي وما فيه وصيتي ولم يطلعهم
(٤٥٢)