بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي المقصد السابع في الإجارة وفيه فصول الأول المهية الإجارة عقد يقتضي تمليك المنفعة خاصة بعوض معلوم لازم في حقيقتها ويستعمل في هذا العقد لفظان أحدهما الإجارة وهي وإن اشتهرت في العقد فهي في اللغة اسم للأجرة وهي كراء الأجير ونقل بعضهم انه يقال لها اجارة أيضا بالضم ويقال استأجرت دار فلان فاجرني داره ومملوكه يوجرها ايجارا فهو موجر وذاك موجر ولا يقال مواجر ولا اجرا أما المواجر فهو من قولك أجر الأجير مواجرة كما يقال نازعه منازعة وعامله وأما الاجر فهو فاعل قولك اجره يأجره اجرا إذا أعطاه أجرة أو قولك اجره يأجره إذا صار أجيرا له وقوله تعالى على أن تأجرني ثماني حجج فسره بعضهم بالمعنى الأول فقال تعطيني من تزويجي إياك رعى الغنم هذه المدة وبعضهم بالثاني فقال تصير أجيري وإذا استأجرت عاملا لعمل فأنت أجير بالمعنى الأول لأنك تعطي الأجرة وهو أجير بالمعنى الثاني لأنه يصير أجيرا لك واجره الله تعالى لغة في اجره أي أعطاه اجره والأجير فعيل بمعنى فاعل كالجليس والنديم اللفظة الثانية الاكتراء يقال اكتريت الدار فهي مكراة ويقال اكتريت واستكريت وتكاريت بمعنى ورجل مكاري والكرى على فعيل المكاري والمكترى أيضا والكرا وإن اشتهر اسما للأجرة فهو في الأصل مصدر كأريته إذا عرفت هذا فالإجارة عقلا يشتمل على إيجاب وقبول في عرف الشرع مسألة هذا العقد جايز بالنص والاجماع قال الله تعالى فإن أرضعن لكم فاتوهن أجورهن فأوجب لهن الإجارة فدل ذلك على جواز اخذ عوض المنافع واختلف في أن الإجارة على الحضانة واللبن تابع أو على اللبن وقال تعالى يا أبت استأجره أن خير من استأجرت القوى الأمين قال إني أريد أن أنكحك أحد بنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج وقال تعالى في قصة الخضر وموسى (ع) فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لا اتخذت عليه اجرا وروي العامة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال أعطوا الأجير اجرته قبل أن يجف عرقه وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال قال ربكم ثلاثة أنا خصمهم ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطاني عهدا ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى عمله ولم يوفه اجره وعن ابن عباس في قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم أن يحج الرجل ويؤاجر نفسه ومن طريق الخاصة ما رواه علي بن يقطين عن الكاظم (ع) عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل قال الكراء لازم إلى الوقت الذي نكاري إليه والخيار في أخذ الكراء إلى ربها أن شاء أخذ وإن شاء ترك وفي الحسن عن هشام بن الحكم عن الصادق (ع) في الحمال والأجير قال لا يجف عرقه حتى تعطيه اجرته وعن شعيب قال تكارينا للصادق (ع) قوما يعملون له في بستان له وكان اجلهم إلى العصر قال فلما فرغوا قال يا شعيب أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم وعن ابن سنان عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن الإجارة فقال صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته فقد اجر موسى (ع) نفسه فقال إن شئت فثمانا وإن شئت عشرا فأنزل الله تعالى فيه أن تأجرني ثماني حجج فأن أتممت عشرا فمن عندك ولا ينافي ذلك رواية عمار عن الصادق (ع) قال قلت له الرجل يتجر فإن هو اجر نفسه اعطى نصيبه في تجارته فقال لا يواجر نفسه ولكن يسترزق الله عز وجل ويتجر فإنه إذا اجر نفسه خطر على نفسه الرزق لأنه للكراهة حيث يمتنع به من التجارة وهي ابرك والاخبار في ذلك كثيرة واما الاجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جواز عقد الإجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن الأصم أنه قال لا يجوز لان ذلك غرر والنبي نهى عن الغرر يعني انه يعقد منافع مستقبله لم تخلق وهذا غلط لا يمنع انعقاد الاجماع لما تقدم من النصوص وأيضا الحاجة داعية إليه والضرورة ماسة له فإنه ليس لكل أحد دار يسكنها ولا خادم يخدمه ولا يلزم غيره أن يسكنه داره ولا يخدمه تبرعا وكل أصحاب الصنايع يعملون ذلك بأجرة ولا يمكن أن يعمل ذلك ولا يجدون متطوعا من الإجارة لذلك بل ذلك مما جعله له طريقا للرزق حتى أن أكثر المكاسب بالصنايع فلو لا تسويغ هذا العقد لزم الحرج وتعطيل أمور الناس بأسرها وهو مناف للحكمة العلم به ضروري والغرر لا معنى له مع هذه الحاجة الشديدة والعقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها لأنها لا يتلف بمضي الساعات فدعت الضرورة والحاجة الشديدة إلى العقد عليها قبل وجودها واشتقاق الإجارة من الاجر وهي الثواب تقول اجرك الله أي أثابك الفصل الثاني في الأركان وهي أربع الأول المتعاقدان يشترط في المؤجر والمستأجر شروط الأول البلوغ فلا تنعقد اجارة الصبي ايجابا ولا قبولا سواء كان مميزا أو لا وسواء اذن له الولي أو لا إذ لا عبرة بعبارة الصبي الثاني العقل فلا يصح عقد المجنون سواء كان الجنون مطبقا لو أدوارا ولو كان يعتوره فاجر في حال افاقته صح لوجود الشرط حينئذ الثالث أن يكون مختارا فلا عبرة بعقد المكره عليه لقوله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا رضي للمكره على الفعل الرابع أن يكون قاصدا فلو تلفظ الساهي والنايم والغافل والسكران والمغمى عليه وشارب المرقد لم يعتبر بعقده الخامس ارتفاع الحجر عن العاقد فلا تنعقد اجارة المحجور عليه للسفه ولا للفلس لأنهما ممنوعان من التصرفات المالية السادس أن يكون المؤجر مالكا للمنفعة التي وقعت الإجارة عليها أو وكيلا له أو وليا عليه فلو عقد الفضولي كان العقد موقوفا ان اجازه مالك المنفعة أو من يلي امره جاز وإلا فلا مسألة ولا يشترط أن يكون المؤجر مالكا للعين التي تعلقت المنفعة بها بل أن يكون مالكا للمنفعة وإن كانت العين مملوكة للغير فلو استأجر دابة أو دارا أو غيرهما من الأعيان التي يصح استيجارها جاز له أن يوجرها من غيره عند علمائنا أجمع وبه قال سعيد بن المسيب وابن سيرين ومجاهد وعكرمة وأبو سليمان بن عبد الرحمن والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي واحمد في أحد الروايتين لأنه قد ملك المنفعة على حد ملك مالك العين لها فجاز نقلها منه إلى غيره كما جاز نقل مالك العين لها وللأصل ولما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق (ع) قال لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم وسكن بيتا منها واجر بيتا منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ولا يواجرها بأكثر مما استأجرها إلا أن يحدث فيها شيئا والرواية الثانية عن أحمد انه لا يجوز للمستأجر أن يوجر العين المستأجرة وإن كانت مقبوضة لان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن ربح ما لم يقبض يضمنه والمنافع لم تدخل في ضمانه ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل أو الموزون قبل قبضه وهو غلط لان قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل انه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة فيبطل القياس بهذا الأصل مسألة وكما تجوز اجارة العين المستأجرة بعد القبض كذا تجوز اجارتها قبل القبض من غير المؤجر وهو قول بعض الشافعية لان قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فإذا كان القبض لا يتعلق به انتقال الضمان فلم يقف جواز التصرف عليه ولأصالة الجواز والمشهور من قول الشافعي المنع وبه قال أبو حنيفة واحمد في إحدى الروايتين لان المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالأعيان والحكم في الأصل ممنوع وبالفرق؟ بما تقدم وأما لو اجرها من المؤجر قبل القبض فإنه يجوز أيضا ومن منع من اجارتها قبل القبض لغير المؤجر فله هنا وجهان أحدهما المنع أيضا لأنه عقد عليها قبل قبضها فلم يجز كالأجنبي والثاني الجواز لان القبض هنا غير متعذر عليه بخلاف الأجنبي والأصل في بيع الطعام قبل قبضه لا يصح عن غير بايعه رواية واحدة عن أحمد وهل يصح من بايعه على روايتين واما اجارتها بعد قبضها من المؤجر فإنها جايزة وبه قال الشافعي واحمد لان الأصل الجواز ولان المنفعة قابل للنقل والمؤجر أهل لتملكها كغيره فجاز العقد معه كغيره ولان كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع وقال أبو حنيفة لا يجوز والا لزم تناقض الاحكام لان التسليم مستحق على المؤجر فإذا اجرها منه صار التسليم حقا له فيصير مستحقا لما يستحق عليه وهو تناقض وهو غلط لان التسليم قد حصل والذي يستحقه بعد ذلك تسليم اخر ثم يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين فإذا اشتراها استحق تسليمها فإن قيل التسليم هنا مستحق في جميع المدة بخلاف البيع قلنا المستحق تسليم العين وقد حصل وليس عليه تسليم اخر غير أن العين في ضمان المؤجر فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار وغصبها رجع عليه لأنها تعذرت بسبب كان في ضمانه مسألة يجوز للمؤجر أن يوجر ما استأجره بأزيد مما
(٢٩٠)