إن كان عارفا والا لزمه تسعة البحث الثاني فيما عدا الاستثناء وفيه مطالب الأول فيما يقتضي رفع المقر به مسألة إذا قال لفلان علي الف من ثمن خمر أو خنزير أو كلب فان فصل بين الاقرار وهو قوله علي الف وبين الرافع وهو قوله من ثمن خمر أو خنزير بسكوت أو كلام اخر لم يسمع منه ولزمه الألف اجماعا لان وصفه بذلك رجوع عن الاقرار وإن كان موصولا بحيث لا يقع بين الاقرار ورافعه سكوت ولا كلام لم يقبل أيضا ولزمه الألف لما فيه من الرجوع والتناقض وهو أحد قولي الشافعية لأنه وصل باقراره ما يرفعه فلم يقبل كما لو قال علي الف لا يلزمني أو فصل قوله من ثمن خمر عن الاقرار وبه قال أبو حنيفة والثاني للشافعية انه يقبل وبه قال المزني ولا يلزمه شئ لان الجميع كلام واحد والكلام يعتبر باخره ولا يبعض ولان الاقرار اخبار عما جرى وهذه المعاملات على فسادها جارية بين الناس فعلى هذا للمقر له تحليف المقر انه كان من ثمن خمر أو خنزير وليس بجيد لأنا نمنع وحدة الكلام سلمنا لكن انما يتم باخره لو لم يناقض أوله إما إذا تناقضا فإنه يحكم بما عليه لا له وعلى ما اخترناه لو قال المقر كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازما لي فله تحليف المقر له على نفيه مسألة إذا وصل اقراره بما ينتظم لفظه عادة لكنه يبطل حكمه شرعا كما إذا أضاف المقر به إلى بيع فاسد كالبيع بأجل مجهول أو خيار مجهول أو قال تكفلت ببدين فلان بشرط الخيار وقلنا ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها أو قال ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار وأبطلناه به وما أشبه ذلك فالوجه بطلان الإضافة وصحة الاقرار والحكم به فإذا قال له علي ألف درهم من ثمن مبيع مجهول أو بأجل مجهول أو بخيار مجهول لم يقبل منه ولزمه الألف في الحال وللشافعي قولان ولأصحابه مأخذان في هذا الخلاف أحدهما بناؤه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه ولأجنبي وقيل إنه غير مشابه للمتنازع لان الشهادة للأجنبي والشهادة للشريك امران لا تعلق لأحدهما بالآخر وانما قرن الشاهد بينهما لفظ أو الخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة واما ههنا فالمذكور أولا مسند إلى المذكور اخرا وانه فاسد في نفسه مفسد للأول ولهذا لو قدم ذكر الخمر فقال لفلان من ثمن الخمر علي الف لم يلزمه شئ بحال وفي الشهادة لا فرق بين ان يقدم ذكر الشريك أو الأجنبي ثم هب انهما متقاربان لكن ليس بناء الخلاف في الاقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس والثاني انه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حد المدعي والمدعى عليه ان قلنا المدعي من لو سكت ترك فههنا لو سكت عن قوله من ثمن خمر لترك فهو بإضافته إلى الخمر مدع فلا يقبل قوله ويحلف المقر له وان قلنا إن المدعي من يدعي أمرا باطنا قبل قول المقر لأن الظاهر معه وهو براءة الذمة والمقر له هو الذي يدعي أمرا باطنا وهو زوال أصل البراءة وقيل لو صح هذا البناء لما افترق الحال بين ان يضيفه إلى الخمر موصولا أو مفصولا ولوجب ان يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف قال الجويني بعد ذكر القولين كنت أود لو فصل بين ان يكون المقر جاهلا بان ثمن الخمر لا يلزم وبين ان يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الشافعية إذا ثبت هذا فلو أقر بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار قدم قول المقر له عندنا وبه قال أبو حنيفة وللشافعي قولان تقدما وكذا يجري القولان من كل من وصل اقراره بما يرفعه لا من الوجه الذي أثبته مثل أن يقول له علي الف من ثمن خمر أو خنزير أو مبيع هلك قبل قبضه أو يقول قبضتها لأنه وصل اقراره بما يرفعه فلم يقبل منه كما لو قال له علي الف الا ألفا مسألة إذا قال له علي الف من ثمن عبد لم اقبضه إذا سلمه سلمت الألف قال الشيخ رحمه الله ان وصل الكلام كان القول قوله مع اليمين وان أنكر المقر له وقال بل هي دين وقال قبضته فللشافعية طريقان أحدهما قبول قوله من ثمن عبد لم اقبضه على القولين السابقين ففي قول يقبل ولا يطالب بالألف الا بعد تسليم العبد وفي قول يؤخذ بأول الاقرار ولا يحكم بثبوت الألف ثمنا والا صح عندهم القطع بالقبول وثبوته ثمنا ويفارق صور القولين بان المذكور فيها أخيرا يرفع المقر به وهنا بخلافه واعلم أن الشيخ رحمه الله قسم هذه المسألة على ثلاثة انحاء آ أن يقول له علي الف من ثمن مبيع لم اقبضه متصلا بعض الكلام ببعض وهذا يقبل قوله وهو أحد قولي الشافعية وقد تقدم ويكون القول قول المقر مع يمينه ولا فرق بين ان يعين المبيع بان يقول له علي الف من ثمن هذا العبد ولم اقبضه أو لم يعينه وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان عين المبيع قبل منه سواء وصل باقراره أو فصل وان اطلق لم يقبل منه لأنه إذا اطلق فقد وصل اقراره بما يبطله لأنه مبيع مجهول والمجهول لا يلزم فيه الثمن كما لو قال من ثمن خمر أو خنزير واحتج الآخرون بأنه أقر بحق عليه في مقابلة حق له لا ينفك أحدهما عن الأخر فإذ لم يثبت ماله لم يثبت ما عليه كما لو عين المبيع وقول أبي حنيفة ليس بصحيح لأن اطلاق الاقرار لا يوجب كونه مطلقا في البيع واما إذا قال من ثمن خنزير ففيه قولان وان سلمنا فان بيع الخنزير لا يصح بكل حال وهذا المبيع يجور ان يكون معلوما حال العقد والوجه عندي عدم القبول مطلقا ب أن يقول له عندي الف ثم يسكت ثم قال بعد ذلك من ثمن مبيع لم اقبضه فإنه لا يقبل قوله ويقدم قول المقر له مع يمينه فإذا حلف على أنه ليس على ما ذكر استحق الألف لأنه فسر اقراره بما يسقط وجوب تسليمه منفصلا عنه فلم يقبل كما لو قال قبضتها وبه قال الشافعي ج إذا قال لفلان علي الف من ثمن مبيع ثم سكت ثم قال بعد ذلك لم اقبضه قبل قوله عنده رحمه الله وبه قال الشافعي فان خالفه المقر له كان القول قول المقر مع يمينه لان اقراره تعلق بالمبيع والأصل عدم القبض فقبل قوله فيه والأقوى عندي عدم القبول مسألة لو قال له علي الف لا تلزمني أو علي الف أو لا لزمه لان هذا الكلام غير منتظم فلا يبطل به الاقرار ويحتمل القبول بان يكون عليه ثمن مبيع غير لازم أو من هبة له الرجوع فيها ولو قال له علي الف قضيته (اقبضته) لزمته الألف ولم يقبل دعواه في الاقباض وللشافعية فيه طريقان أحدهما القطع بلزوم الألف لقرب اللفظ من عدم الانتظام فان ما قضاه لا يكون عليه وهو الذي اخترناه نحن بخلاف قوله من ثمن خمر لأنه ربما يظن لزومه والطريق الثاني انه على القولين لان مثله يطلق في العرف والتقدير كان له على الف فقضيته وكذا يجري الطريقان فيما إذا قال لفلان علي الف أبراني عنه ولو ادعى عليه ألفا فقال قد قضيته فالمشهور انه اقرار وجعله بعض الشافعية بمنزلة ما لو قال علي الف قضيته تذنيب (تنبيه) لو قال كان له علي الف فالأقرب اللزوم ويحتاج في البراءة إلى البينة وقيل لا يسمع هذا كما لا تسمع الشهادة به والاقرار بالاقرار اقرار مسألة لو قال لفلان علي الف انشاء الله تعالى احتمل بطلان الاقرار لأنه تعلق على المشية وتعليق الاقرار باطل لأنه اخبار عن حق سابق ولم يجزم به وعلق اقراره على مشية الله تعالى وهي خفية عنا ولان الاقرار اخبار عن حق سابق فيكون المخبر عنه واقعا والواقع عنه لا يعلق على متجدد ولا على غيره وقيل إنه بمنزلة قوله له علي الف من ثمن خمر لأنه لو اقتصر على أول الكلام لكان اقرارا جازما والأقرب الأول لان تعليق السابق لا ينتظم فلا يقبل تعليقه ويلزمه ما أقر به وبه قال احمد وهو أصح قولي الشافعية ولو قال علي الف ان شئت أو ان شاء فلان احتمل بطلان الاقرار لتعلقه علي الشرط وقال الجويني انه مخرج على القولين لأنه نفي باخر كلامه مقتضى أوله بخلاف قوله إن شاء الله فإنه يجري في الكلام للتردد تارة وللتبرك أخرى بخلاف التعليق بمشية غيره ووجه بعض الشافعية البطلان في قوله إن شاء الله أو ان شاء زيد بان مثل هذا
(١٦٦)