فربما استعجلوا بالمعالجة بخلاف الكفار فإنهم لا يتهمون بمثله لانهم حينئذ يقتلون أو يضرب عليهم الجزية والتهمة بالاستعجال قد لا يحصل في المسلمين لما روى أن غلاما من الأنصار شبب بامرأة في شعره فدفع إلى عمر بن الخطاب فلم يجده انبت فقال لو انبت الشعر لجلدتك مسألة ولا اعتبار بشعر الإبط عندنا وللشافعي وجهان هذا أصحهما إذ لو كان معتبرا في البلوغ لما كشفوا عن المؤتزر لحصول الغرض من غير كشف العورة والثاني ان نبات كنبات شعر العانة لان انبات العانة يقع في أول تحريك الطبيعة في أول الشهوة ونبات الإبط يتراخى عن البلوغ في الغالب فكان أولى بالدلالة على حصول البلوغ وأما نبات اللحية والشارب فإنه أيضا لا اثر لهما في البلوغ وهو أحد وجهي الشافعية والثاني انهما يلحقان بشعر العانة وبعض الشافعية ألحق شعر الإبط بشعر العانة ولم يلحق اللحية والشارب بالعانة وأما ثقل الصوت ونهود الثدي ونثق طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة فلا اثر له كما لا اثر لاخضرار الشارب وهو أحد قولي الشافعية والثاني انه ملحق بشعر العانة ولا بأس به عندي بناء على العادة القاضية بتأخر ذلك عن البلوغ البحث الثاني في الاحتلام مسألة الاحتلام وهو خروج المني وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد بلوغ في الرجل والمراة عند علمائنا أجمع ولا نعلم خلافا في الذكر قال الله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا وقال تعالى والذين لم يبلغوا الحلم منكم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع القلم عن ثلث عن الصبي حتى يحتلم وروى حتى يبلغ الحلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يتنبه وقال صلى الله عليه وآله لمعاذ خذ من كل حالم دينارا وقد أجمع العلماء كافة على أن الفرايض والاحكام يجب على المحتلم العاقل مسألة ولا فرق في إفادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء كما في الشعر عند عامة أهل العلم وللشافعي قول ان خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهن لأنه نادر فيهن ساقط العبرة وعلى هذا قال الجويني الذي يتجه عندي ان لا يلزمها الغسل لأنه لو لزم لكان حكما بان الخارج مني والجمع بين الحكم بأنه مني وبين الحكم بأنه لا يحصل البلوغ به متناقض قال بعض الشافعية إن كان التناقض مأخوذا من تعذر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوى ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبي إذا أحدث فبالمعنى الذي اطلقنا ذلك ولا تكليف نطلق هذا وإن كان غير ذلك فلا بد من بيانه وعلى هذا القول تصير أسباب البلوغ ثلاثة أقسام قسم مشترك بين الرجال والنساء وقسم مختص بالنساء وقسم مختص بالرجال وهو خروج المني لكن اطباق أكثر العلماء على خلاف هذا قالت أم سلمة سألت النبي صلى الله عليه وآله عن المراة ترى في منامها ما يرى الرجل قال النبي صلى الله عليه وآله إذا رأت ذلك فلتغتسل مسألة الحلم هو خروج المني من الذكر أو قبل المراة مطلقا سواء كان بشهوة أو غير شهوة وسواء كان بجماع أو غير جماع وسواء كان في نوم أو يقظة ولا يختص بالاحتلام بل هو منوط بمطلق الخروج مع امكانه باستكمال تسع سنين مطلقا عند الشافعي وعندنا في المراة خاصة ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك وفيه للشافعية وجهان آخران ذكرهما الجويني أحدهما ان امكان الاحتلام يدخل بمضي ستة أشهر من السنة العاشرة والثاني انه يدخل بتمام العاشرة وهذه الوجوه عندهم كالوجوه في أقل سني الحيض لكن العاشرة هنا بمثابة التاسعة هناك لان في النساء حدة في الطبيعة وتسارعا إلى الادراك مسألة الخنثى المشكل إذا خرج المني من أحد فرجيه لم يحكم ببلوغه لجواز ان يكون الذي خرج منه المني خلقة زايدة وان خرج المني من الفرجين جميعا حكم ببلوغه وان خرج الدم من فرج النساء والمني من الذكر حكم ببلوغه لأنه إن كان رجلا فخروج الماء بلوغه وإن كان أنثى فخروج دم الحيض بلوغه هذا هو المشهور عند علمائنا وعند الشافعي وللشافعي قول انه إذا امني وحاض لم يحكم ببلوغه وتأوله أصحابه بوجهين أحدهما انه يريد بذلك انه ان امني وحاض من فرج واحد والثاني انه أراد ان حاض وامنى لم احكم ببلوغه لما ذكرناه إذا ثبت هذا فإذا خرج من ذكره ما هو بصفة المني ومن فرجه ما هو بصفة الحيض ففي الحكم ببلوغه عند الشافعية وجهان أصحهما عندهم انه يحكم به لأنه إما ذكر وقد امني وإما أنثى وقد حاضت والثاني لا لتعارض الخارجين واسقاط كل واحد منهما حكم الأخر ولهذا لا يحكم والحال هذه بالذكورة ولا بالأنوثة وهو ظاهر قول الشافعي وان وجد أحد الامرين دون الأخر كما لو امني وحاض من الفرج فعامة الشافعية انه لا يحكم ببلوغه لجواز ان يظهر من الفرج الأخر ما يعارضه وقال الجويني ينبغي ان يحكم بالبلوغ بأحدهما كما يحكم بالذكورة والأنوثة ثم إن ظهر خلافه غيرنا الحكم وكيف ينتظم منا ان نحكم بأنه ذكر امني ولا نحكم بأنه قد بلغ قال أكثر الحنابلة ان خرج المني من ذكر الخنثى المشكل علم بلوغه وانه ذكر وان خرج من فرج المراة أو حاض فهو علم على بلوغه وكونه أنثى لان خروج البول من الفرجين دليل على كونه رجلا وامرأة فخروج المني أو الحيض أولى وإذا ثبت كونه خرج المني من ذكره أو امرأة خرج الحيض من فرجها لزم وجود البلوغ ولان خروج مني الرجل من المراة أو الحيض من الرجل مستحيل فكان دليلا على التعيين فإذا ثبت التعيين لزم كونه دليلا على البلوغ كما لو تعين قبل خروجه ولأنه مني خارج من ذكر أو حيض خارج من فرج أنثى فكان علما على البلوغ كالمني الخارج من الغلام والحيض الخارج من الجارية ولان خروجهما معا دليل على البلوغ فخروج أحدهما أولى لان خروجهما معا يفضي إلى تعارضهما واسقاط دلالتهما إذ لا يتصور ان يجتمع حيض صحيح ومني رجل فوجب ان يكون أحدهما فضلة خارجة من غير محلها وليس أحدهما بذلك أولى من الأخر فتبطل دلالتهما كالبينتين إذا تعارضتا وكالبول إذا خرج من المخرجين جميعا بخلاف ما إذا وجد أحدهما منفردا فان الله تعالى اجرى العادة ان الحيض يخرج من فرج المراة عند بلوغها ومني الرجل يخرج من ذكره عند بلوغه فإذا وجد ذلك من غير معارض وجب ان يثبت حكمه ويقضي بثبوت حكم دلالته كالحكم بكونه رجلا بخروج البول من ذكره وبكونه امرأة بخروجه من فرجها والحكم للغلام ببلوغه مع المني من ذكره وللجارية بخروج الحيض من فرجها فعلى هذا ان خرجا جميعا لم يثبت كونه رجلا ولا امرأة لان الدليلين تعارضا فأشبه ما لو خرج البول من الفرجين وهذا لا بأس به عندي تذنيب إذا خرج المني من الذكر والحيض من الفرج فقد بينا انهما تعارضا في الحكم بالذكورة أو بالأنوثة وسقط اعتبارهما فيهما وهل يثبت دلالتهما على البلوغ الأقرب ذلك وبه قال الشافعي لأنه أما رجل فقد خرج المني من ذكره وأما امرأة فقد حاضت وقال بعض الجمهور لا يثبت البلوغ لأنه يجوز ان لا يكون هذا حيضا ولا منيا ولا يكون فيه دلالة وقد دل تعارضهما على ذلك فانتفت دلالتهما على البلوغ كانتفاء دلالتهما على الذكورية والأنوثية البحث الثالث في السن مسألة السن عندنا دليل البلوغ وبه قال جماهير العامة كالشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل لما رواه العامة عن ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله في جيش يوم بدر وانا ابن ثلاث عشرة سنة فردني وعرضت عليه يوم أحد وانا ابن أربع عشرة سنة فردني ولم يرني بلغت وعرضت عليه عام الخندق وانا ابن خمس عشر سنة فقبلني واخذني في المقاتلة وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه واخذت منه الحدود ومن طريق الخاصة رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام قال قلت له جعلت فداك في كم تجري الاحكام على الصبيان قال في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة قلت فإنه لم يحتلم قال وان لم يحتلم فان الاحكام تجري عليه وقال مالك ليس للسن دليل على البلوغ ولا بلوغا في نفسه ولا حد للسن في البلوغ بل يعلم البلوغ بغلظ الصوت وشق الغضروف وهو رأس الانف وقال داود لا حد للبلوغ من السن لان النبي صلى الله عليه وآله قال رفع القلم عن ثلثة عن الصبي حتى يحتلم فلا يحصل البلوغ بدون الاحتلام وان طعن في السن ولا دلالة في الخبر على امتناع اثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل مسألة
(٧٤)