لما كانت لازمة افتقرت إلى تقدير مدة معينة مضبوطة لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان واما العقود الجايزة كالشركة والوكالة فلا يجب لها ضرب المدة ولان كل عقد جايز يتمكن كل من المتعاقدين فيه من فسخه وتركه الفصل الثاني: في الأركان وهي أربعة الأول: الصيغة وهي كل لفظ دال على الاذن في العمل أو استدعائه؟
بعوض يلتزمه كقوله من رد عبدي أو ضالتي أو خاط لي ثوبا أو بنى لي حايطا أو ما أشبه ذلك من الأعمال المحللة المقصودة في نظر العقلاء سواء كان العمل مجهولا أو معلوما لأنه عقد جايز كالمضاربة ولابد من الايجاب الصادر من الجاعل فلو عمل لغيره عملا أو ضاع لغيره مال غير الآبق والضالة فرده غيره تبرعا لم يكن له شئ سواء كان معروفا برد اللقطة أو لم يكن ولا يعلم فيه خلافا لأنه عمل يستحق العوض مع المعاوضة فلا يستحق مع عدمها كالعمل في الإجارة مسألة: واما الآبق والضالة من الحيوانات فان تبرع الراد بالرد أو حصل في يده قبل الجعل فلا شئ له عند أكثر علمائنا كما في غيرهما من الأموال وبه قال الشافعي والنخعي واحمد في إحدى الروايتين وابن المنذر لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشترط له عوضا فلم يستحق شيئا كما لو ورد لقطته من الأموال وقال الشيخ (ره) لم ينص أصحابنا على شئ من جعل اللقط والضوال الا على اباق العبد فإنهم رووا انه ان رده من خارج البلد استحق الأجرة أربعين درهما قيمتها أربعة دنانير وإن كان من البلد فعشرة دراهم قيمتها دينار وفيما عدا ذلك يستحق الأجرة بحسب العادة ثم نقل عن الشافعي انه لا يستحق الأجرة على شئ من ذلك الا ان يجعل له الجاعل وعن مالك إن كان معروفا برد الضوال وممن يستأجر لذلك فإنه يستحق الجعل وان لم يكن معروفا به لم يستحق وعن أبي حنيفة إن كان ضالة أو لقطة فإنه لا يستحق شيئا وإن كان ابقا فرده من مسيرة ثلاثة أيام فأكثر وهو ثمانية وأربعين ميلا وزيادة استحق أربعين درهما وان نقص أحد الشرطين بان جاء به من ميسرة أقل من ثلاثة أيام فبحسابه وإن كان من ميسرة يوم فثلث الأربعين وإن كان من ميسرة يومين فثلثا الأربعين وإن كان قيمته أقل من أربعين قال أبو حنيفة ومحمد ينقص عن قيمته درهم ويستحق الباقي إن كان قيمته أربعين فيستحق تسعة وثلاثين وإن كان قيمته ثلاثين يستحق تسعة وعشرين وقال أبو يوسف يستحق أربعين وإن كان يسوي عشرة دراهم والقياس انه لا يستحق شيئا لكن أعطيناه استحقاقا هكذا حكاه الشيخ (ره) عن الساجي إذا عرفت هذا فان قول الشيخ يحتمل الاستحقاق الرد للآبق وان لم يشرط المالك له جعلا ورواه العامة عن علي (ع) وابن مسعود وعمر وشريح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأصحاب الرأي واحمد في إحدى الروايتين لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله انه جعل في جعل الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا ولأنه قول من سميناه من الصحابة ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفا فكان اجماعا ولان في شرط الجعل في ردهم حثا على رد الآبق وصيانة لهم عن الرجوع إلى دار الحرب وردهم دينهم وتقوية أهل الحرب بهم فيكون مشروعا لهذه المصلحة بخلاف رد اللقط من الأموال فإنه لا يقضي إلى ذلك والقول الأولى أقوى لان الأصل عدم الوجوب مسألة: لو استدعى الرد فقال لغيره رد أبقى استحق الجعل لأنه عمل يستحق في مثله الأجرة فكان عليه الجعل كما لو استدعى رد اللقطة كان عليه أجرة المثل وان لم ينص له على الأجرة وكذا إذا اذن لرجل في عبد رده الآبق ولم يشرط له عوضا برده فالأقوى استحقاق الجعل وللشافعية قولان منهم من قال إن كان معروفا برد الاباق بالأجرة استحق ومنهم من قال لا يستحق وهو ظاهر كلام الشافعي لأنه قال الا ان يجعل له جعلا وفيه الخلاف المذكور لهم فيما لو دفع ثوبا إلى غسال فغسله ولم يجر للأجرة ذكر ولو حصلت الضالة في يد انسان قبل الجعل وجب دفعها إلى مالكها ولا شئ عليه وكذا المتبرع سواء عرف برد الاباق أو لا وسواء جعل المالك وقصد العامل التبرع أو لم يجعل وان يقصد التبرع مسألة: لا فرق في صيغة المالك بين أن يقول من رد عبدي وبين أن يقول إن رده انسان أو ان رددته أو رده ولك كذا ويصح التقييد بالزمان والمكان واحدهما والاطلاق فيقول من رد عبدي من بغداد في شهر كذا أو خاط ثوبي في بغداد ففي؟ يوم فله كذا الركن الثاني: العاقد ويشترط فيه ان يكون من أهل الاستيجار مطلق التصرف فلا ينفذ جعل الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه لفلس والمكره وغير القاصد ولا نعلم فيه خلافا ولا يشترط ان يكون الملتزم هو المالك ولا ان يقع العمل في ملكه فلو قال شخص من رد عبدي فلان فله كذا استحقه الراد عليه لأنه التزم فلزمه بخلاف ما إذا التزم الثمن في بيع غيره والثواب على هبة غيره لأنه عوض تمليك فلا يتصور وجوبه على غير من حصل له الملك والجعل ليس عوض تمليك مسألة: لو قال فضولي قال فلان من رد عبدي فله كذا من يستحق الراد على الفضولي شيئا لأنه لم يلتزم اقصى ما في الباب انه كذب وهو لا يوجب الضمان واما المالك فإن كان الفضولي قد كذب عليه لم يكن عليه شئ أيضا وكان من حق الراد ان يثبت ويتفحص ويسأل فالتفريط وقع منه فإن كان قد صدق فالأقوى وجوب المال عليه خلافا لبعض الشافعية حيث قال بذلك إن كان المخبر ممن يعتمد على قوله والا فهو كما لو رد غير عالم باذنه والتزامه مسألة: لا يشترط تعيين العامل فيجوز ان يكون شخصا معينا أو جماعة معينين مثل أن يقول إن رد زيد عبدي فله كذا وان رد زيد وعمرو وخالد فلهم كذا ويجوز ان يكون مجهولا كغيره من رد عبدي من هؤلاء العشرة فله كذا أو من رد عبدي مطلقا فله كذا لان الغرض رد الآبق ولا تعلق للمالك بخصوصية الراد فلم يكن شرطا ولان رد الآبق وما في معناه قد لا تمكن منه معين ومن يتمكن منه لا يكون حاضرا وربما لا يعرفه المالك فإذا اطلق الاشتراط وشاع ذلك سارع من تمكن منه إلى تحصيله فيحصل الغرض فاقتضت مصلحة العقد احتمال التجهيل فيه مسألة: لو عين واحدا فرد غيره لم يستحق شيئا كما لو قال لزيد رد عبدي ولك كذا وقال إن رده زيد فله كذا فرده عمرو لأنه لم يشرط لغير ذلك المعين فكان متبرعا ولو رده عبد ذلك المعين استحق المولى الجعل لان رد عبده كرده ويده كيده ولو قال من رده فله كذا استحق الراد سواء سمع ندائه أو لا لأنه قد حصل المقصود وشمله اللفظ بعمومه ولم يقصد بقوله شخصا معينا ولا جماعة معينين بل اطلق فيعمل بمقتضى اطلاقه كما لو قال من صلي فاعطه دينارا وهو أحد قولي الشافعية والثاني وهو الاظهر عندهم انه لا يستحق شيئا لأنه قصد التبرع لم يستحق شيئا كما لو عينه وقال إن رددت عبدي فلك كذا وان رد زيد عبدي فله كذا فرده زيد متبرعا بعد سماعه بالجعالة لم يستحق شيئا لتبرعه وكذا لو عينه وكان غايبا فقال إن رده فلان فله كذا فرده غير عالم باذنه والتزامه فان نوى التبرع لم يستحق شيئا وان لم ينوه استحق على ما تقدم مسألة:
لا يشترط القبول لفظا فلو قال من رد عبدي فله كذا فاشتغل واحد بالرد من غير أن يقول قبلت أو انا أرد صح العقد وتم سواء كان العامل معينا أو غير معين وقالت الشافعية إذا لم يكن العامل معينا فلا يتصور للعقد قبول وإن كان معينا فلا يشترط قبوله أيضا على المشهور ويكفي الآيتان بالعمل كما ذهبنا إليه وقال الجويني لا نمتنع؟ ان يكون كالوكيل في اشتراط القبول ونحن نمنع اشتراط القبول لفظا في الوكيل نعم يشترط في العامل المعين ان يكون له أهلية العمل فلو قال المسلم من طالب بدين على فلان المسلم فله كذا لم يدخل الذمي تحته لما بينا من أن الذمي ليس أهلا للتوكيل على المسلم مسألة: لو قال من رد عبدي فله كذا وكان العبد مسلما فهل للكافر رده الأقرب ذلك لأنه ليس بتوكل عليه فلا يندرج تحت النهي مع احتمال اندراجه لاستلزامه اثبات السبيل للكافر على المسلم وهو منفي