فباع لهم رسول الله ماله حتى قام معاذ بغير شئ قيل انما لم يترك لمعاذ حين كلموا النبي صلى الله عليه وآله لانهم كانوا يهودا. مسألة: إذا مات المفلس ووجد البايع عين ماله فقد نقلنا الخلاف فيه وقلنا انه لا يختص به البايع الا مع الوفاء وبه قال مالك خلافا للشافعي واحمد وذلك لان الميت قد انقطع تحصيله ولا ذمة له فلو خصصنا البايع بسلعته مع عدم وفاء التركة بالديون كان اضرارا بباقي الديان لحصول اليأس من استيفاء الحق منه فوجب اشتراك جميع الديان في جميع التركة عملا بالعدل ولان الأصل عدم الرجوع لانتقال العين إلى المفلس بالشراء ترك العمل به في صورة الحي للاجماع والنص فيبقي الباقي على حكم الأصل ولما رواه العامة من قول النبي صلى الله عليه وآله أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البايع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به وان مات فهو أسوة الغرماء ومن طريق الخاصة ما رواه أبو ولاد في الصحيح عن الصادق (ع) قال سألته عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل ان يحل ماله وأصاب البايع متاعه بعينه له ان يأخذه إذا تحقق له قال فقال إن كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فيأخذ ان تحقق له ولو لم يترك نحوا من دينه فان صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شئ يأخذ بحصته ولا سبيل له على المتاع إذا عرفت هذا فاعلم أن أكثر الشافعية ذهبوا إلى أنه إذا مات وخلف وفاء لم يكن لصاحب السلعة الرجوع فيها وقال بعضهم ان له ان يرجع فيها إذا مات المشتري وخلف وفاء كما ذهبنا إليه لما قلناه من حديث أبي هريرة وما رويناه من طريق الخاصة عن الصادق (ع) ولان قبض ثمن السلعة من التركة لا يستقر لأنه ربما ظهر غريم اخر فيلزمه رد بعض ما اخذه أو وكله واحتج الشافعي بان ماله يفي بقضاء ديونه فلم يكن لصاحب السلعة الرجوع فيها كما لو كان حيا والفرق ظاهر فان الحي يرجع إلى ذمته لو خرج المقبوض مستحقا بخلاف الميت واعلم أن الشافعي رد على مالك حيث لم يجوز له الرجوع بعين المال بعد موت المفلس قال قد جعلتم للورثة أكثر مما للموروث الذي عليه ملكوا وأكثر حال الوارث الا ان يكون له الا ما للميت وقد اعترضه المزني بأنه قال في الحبس إذا هلك أهله رجع إلى أقرب الناس بالمحبس فجعل لأقرب الناس بالمحبس ما لم يجعل للمحبس وأجيب عن كلام المزني بان الواقف إذا وقف وقفا منقطعا هل يصح قولان فان قلنا يصح فإنه يرجع إذا انقرض الموقوف عليهم إلى الفقراء من أقارب الواقف لا على سبيل الميراث عنه وانما جعله صدقة وسبيل الصدقة الفقراء والمساكين فجعل أقارب الواقف أولي من غيرهم فاما الواقف فلا يرجع عليه صدقته لأنه لا يكون متصدقا على نفسه وفي مسئلتنا هذه جعل حق الورثة اكد من حق مورثهم فاختلفا. مسألة: المنع من التصرف يفتقر إلى حكم الحاكم بالحجر اجماعا فلو لم يحجر عليه الحاكم نفذت تصرفات المفلس بأسرها وليس للغرماء منعه من شئ منها الا بعد حجر الحاكم عليه إما الرجوع إلى عين المبيع أو عين القرض أو غير ذلك من أمواله التي هي معوضات الديون فهل يفتقر صاحبها إلى سبق الحجر كمنع التصرف أم لا فيه اشكال ينشأ من قوله صلى الله عليه وآله أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه الذي رواه العامة أثبت الأحقية بمجرد الافلاس ومن طريق الخاصة رواية الكاظم (ع) وقد سأله عمرو بن يزيد عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه قال لا تحاصه الغرماء ولم يشرط في ذلك الحجر ومن انه مال انتقل إليه بعقد شرعي فلا يخرج عنه الا بوجه شرعي ولا وجه الا الحجر فإنه يمنعه من التصرف فيه فيتحقق حينئذ أولوية البايع والمقرض وغيرهما بعين أموالهم على أن الأحقية في حديث العامة لا يقتضي الاخذ بدون الحجر فيجوز ان يكون أحق على معنى انه التمكن من الرجوع إلى عينه بسلوك الأسباب المفضية إليه ومن جملتها طلب الحجر والافلاس يفيد الأحقية وكذا في حديث الكاظم (ع) في قوله لا تحاصه الغرماء فإنه لا يقتضي جواز الاخذ من غير حجر. الفصل الثاني: في شرايط الحجر عليه قد ذكرنا ان الشرايط خمسة المديونية ولا بد منه فان من لا دين عليه لا يجوز الحجر عليه غنيا كان أو فقيرا مع بلوغه ورشده وعدم سفهه فلو حجر عليه الحاكم كان لغوا ولو استدان بعد ذلك لم يمنع من الاستدانة وكذا لا يمنع من ساير التصرفات ولا يؤثر الحجر في منعه من التصرف فيما اكتسبه من الأموال ولان سؤال الغرماء شرط في الحجر فلا يتحقق من دون الدين. مسألة: من شرايط الحجر قصور أموال المديون عن الديون فلو ساوت الديون أو فضلت عنها لم يجز الحجر عند علمائنا وهو أحد قولي الشافعي لأصالة عدم الحجر ورفع اليد عن العاقل ثبت خلافه فيما إذا قصرت أمواله عن ديونه حفظا لأموال الغرماء فبقى الباقي على الأصل ولان الغرماء يمكنهم المطالبة بحقوقهم واستيفاءها في الحال والثاني له الحجر إذا ظهرت عليه امارات الفلس وهو ممنوع لان في ماله وفاء ديونه فلم يحجر عليه كما لو لم يظهر امارات الفلس وقال أبو حنيفة لا يجوز الحجر مطلقا بل يحبس الغريم ابدا إلى أن يقضيه. فروع: أ: لا فرق عندنا في المنع من الحجر مع وفاء ماله بديونه بين ان يظهر عليه امارات الفلس مثل ان يكون نفقته من رأس ماله أو يكون ما في يده بإزاء دينه ولا وجه لنفقته الا ما في يده أو لا يظهر بان يكون نفقته في كسبه أو ربح رأس ماله خلافا للشافعي. ب: إذا كان ماله يفي بديونه لم يحجر عليه اجماعا بل يطالب بالديون فان قضاها والا تخير الحاكم مع طلب أربابها منه بين حبسه إلى أن يقضي المال وبين ان يبيع متاعه عليه ويقضي به الدين وبه قال الشافعي خلافا لأبي حنيفة حيث أوجب الحبس ومنع من البيع. ج: إذا رفع الغرماء الغريم إلى الحاكم وسألوه الحجر عليه لم يجبهم إلى ذلك حتى يثبت عنده الديون وقصور أمواله فينظر في ماله هل يفي بديونه أم لا فينظر مقدار ما عليه من الديون ويقوم ماله بذلك. د: معوضات الديون والأعيان التي أثمانها عليه يقوم من جملة أمواله وهو أحد قولي الشافعية لان أصحابها بالخيار بين ان يرجعوا وبين ان لا يرجعوا ويطالبوه بالثمن وفي الثاني لا يقدم لان لأربابها الرجوع فيها فلا يحسب أثمانها عليه ولا يقومها مع ماله وما قلناه أقوى. ه: قد قلنا إنه إذا كان في أمواله وفاء لديونه لم يحجر عليه وللشافعي قول اخر انه يحجر عليه مع ظهور امارات الفلس فحينئذ على قوله هل يكون لمن وجد متاعه بعينه ان يرجع له وجهان أحدهما له ذلك لقوله (ع) فصاحب المتاع أحق بمتاعه ولم يفصل ولان الحجر موجود والثاني ليس له الرجوع فيها لأنه يصل إلى ثمنها من مال المشترى من غير تبرع الغرماء فلم يكن له الرجوع في العين كما قبل الحجر. و: لو لم يكن له مال البتة ففي جواز الحجر عليه اشكال ينشأ من عدم فايدة الحجر وهي التحفظ بما في يده عن الاتلاف ومن الاكتفاء بمجرد الدين لجواز الحجر منعا له من التصرف فيما عساه يتجدد في ملكه باصطياد واتهاب وظفر بركاز وغيرها. مسألة من شرايط الحجر ثبوت الدين عند الحاكم لان المتولي للحجر الحاكم وليس له الحجر مجانا بقول من كان بل ما لم يثبت الديون إما بالبينة أو بالاقرار لم يجز له الحجر. مسألة: ومن الشرايط كون الديون حالة فلو كانت مؤجلة لم يجز الحجر بها سواء كان ماله يفي بها أو لا لأنه ليس لهم المطالبة في الحال وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة فلا تعجل عقوبته بمنعه من التصرف ولو كان البعض حالا والباقي مؤجلا فان وفت أمواله بالديون الحالة فلا حجر لعدم اعتبار الديون المؤجلة وان قصرت عنها وجب الحجر وإذا حجر عليه بالديون الحالة لم يحل عليه الديون المؤجلة وهو أصح قولي الشافعية واختاره المزني واحمد في إحدى الروايتين لان المقصود من التأجيل التخفيف ليكتسب في مدة الاجل ما يقضي به الدين وهذا المقصود غير ثابت بخلاف الميت فان توقع الاكتساب منه قد بطل ولأنه دين مؤجل على حي فلا يحل قبل اجله كغير المفلس بخلاف الميت فان ذمته قد بطلت والثاني للشافعي انها تحل وبه قال مالك واحمد في الرواية الأخرى لان الافلاس سبب في تعلق الدين بالمال فاسقط الاجل كالموت وقد مر الفرق ورتب بعض الشافعية هذين القولين على القولين في أن من عليه الدين المؤجل لو جن هل يحل الاجل وان الحلول في صورة الجنون أولي لان المجنون لا استقلال له كالميت ووليه ينوب عنه كما ينوب الوارث عن الميت ورأى الجويني الترتيب بالعكس أولي لان ولي المجنون له ان يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة فإذا لم يمنع الجنون التأجيل ابتداء فلئن لا يقطع الاجل دواما كان
(٥١)