نفسه ولوجب بها الحج والزكاة والثاني أقرب وللشافعية وجهان كهذين فعلى الأول يواجره مرة بعد أخرى إلى أن نفى (يفي) الدين فان المنافع لا نهاية لها وقضية إدامة الحجر إلى قضاء الدين لكنه كالمستبعد وفي جواز بيع أم الولد نظر أقربه ذلك إن كانت قد رهنت قبل الاستيلاد فإنها تباع في الرهن أو كان ثمنها دينا على مولاها ولا وجه له سواها مسألة: إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء انفك حجره ولا حاجة إلى حكم الحاكم بذلك لان الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل الغرض فيزول الحجر وهو أحد قولي الشافعي والأظهر عنده انه لابد من فك القاضي لأنه حجر لا يثبت الا باثبات القاضي فلا يرفع الا برفعه كالسفيه ولأنه حجر يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه ونمنع الملازمة الأولى فان الحجر هنا لمعنى وقد زال بخلاف السفيه فإنه لا يعلم زواله الا بعد الاختيار المستند إلى الحاكم ولان هذا الحجر لتفريق ماله وقد حصل وذلك لحفظ ماله فتركه محجورا عليه يزيد في الغرض ولأنه حجر الغرماء وقد اعترفوا بسقوطه لهذا إذا اعترف الغرماء بان لا مال له سواه ولو ادعوا مالا فسيأتي. مسألة: لو اتفق الغرماء على رفع الحجر عنه فالأقوى رفعه لان الحجر لهم وهو حقهم وهم في أموالهم كالمرتهن في حق المرهون وهو أحد قولي الشافعي والاخر انه لا يرتفع لاحتمال ان يكون هناك غريم اخر سواهم غايب فلا بد من نظر الحاكم واجتهاده وإدامة العقوبة بالتجويز غير جايز ولهذا إذا قسم المال لم يزل تجويز ورود غريم ولو باع المفلس ماله من غريم بدينه ولا يعرف له غريم سواه فالأقرب صحة البيع لان الحجر عليه لدين ذلك الغريم فإذا رضي وبرئت ذمته وجب ان يصح وهو أحد قولي الشافعي والأظهر عنده انه لا يصح من غير مراجعة القاضي لان الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملتمس بل يثبت على العموم ومن الجايز ان يكون له غريم اخر والوجهان مفرعان على أن بيع المفلس من الأجنبي لا يصح فان صح فهذا أولي ولو حجر لديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم فعلى الخلاف ولو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باع من الأجنبي لان ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر بخلاف ما إذا باع من أجنبي بإذن الغرماء لم يصح والوجه الصحة وهو أحد قولي الشافعية كما يصح بيع المرهون بإذن المرتهن وإذا قلنا إنه إذا فرقت أمواله وقضيت الديون ارتفع الحجر عنه صح البيع من الغريم بالدين لتضمنه البراءة من الدين ويمكن ان يقال لا يجزم بصحة البيع وان قلنا إن سقوط الدين يسقط الحجر لان صحة البيع إما ان يفتقر إلى ارتفاع الحجر أو لا فان افتقرت وجب الجزم بعدم الصحة والا لزم الدور لأنه لا يصح البيع ما لم يرتفع الحجر ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدين ولا يسقط الدين ما لم يصح البيع وان لم يفتقر فغاية الممكن اقتران صحة البيع وارتفاع الحجر فليخرج الصحة على الخلاف فيما إذا قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا بعد ولد هل يطلق بالثاني وفيما إذا قال العبد لزوجته ان مات سيدي فأنت طالق طلقتين وقال السيد لعبده إذا مت فأنت حر فمات السيد هل له نكاحها قبل زوج وإصابة وهذا عندنا لا يتأتى. البحث الثالث: في حبسه مسألة: من وجب عليه دين حال فطولب به ولم يؤده نظر الحاكم فإن كان في يده مال ظاهر أمر الحاكم بالقضاء فان ذكر انه لغيره حكم عليه باقراره ان صدقه المقر له أو لم يعلم منه تصديق ولا تكذيب فان كذبه لم يقبل منه اقراره وألزمه بالخروج من الديون فان امتنع مع قدرته على القضاء حبسه الحاكم ويحل لصاحب الدين الاغلاظ له في القول بان يقول يا ظالم يا متعدي ونحو ذلك لقوله صلى الله عليه وآله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه واللي المطل والعقوبة حبسه والعرض الاغلاظ له في القول وقال (ع) ان لصاحب الحق مقالا ولو ظهر عناده باخفاء ماله وعلم يساره وتمكنه كان للحاكم ضربه ولو لم يكن في يده مال ظاهر فإن كان أصل الدعوى مالا أو كان قد عرف له أصل مال ثم خفى امره طولب بالبينة على الاعسار وإن كانت الدعوى غرامة عن اتلاف أو جناية ولم يعرف له قبل ذلك أصل مال حكم بقوله مع اليمين. مسألة: إذا ثبت اعسار المديون عند الحاكم بالبينة أو باقرار الغريم لم يجز حبسه ولا ملازمته ووجب انظاره لقوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ولما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال الغرماء الذي كثر دينه خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك ومن طريق الخاصة قول الباقر (ع) ان عليا (ع) كان يحبس في الدين فإذا تبين له الافلاس وحاجة خلى سبيله حتى يستفيد مالا ولان الحبس إما لاثبات الاعسار أو لقضاء الدين والأول ثابت والقضاء متعذر فلا فايدة في الحبس وقال أبو حنيفة للغريم ملازمته لكن لا يمنعه من التكسب. مسألة: إذا كان للمديون مال امره الحاكم ببيعه وايفاء الدين من ثمنه مع مطالبة أربابها فان امتنع باع الحاكم متاعه عليه وقضى منه الدين وبه قال الشافعي واحمد وقال أبو حنيفة لا يبيع الحاكم بل يحبس الغريم إلى أن يبيع هو بنفسه وقد تقدم البحث في ذلك وهل للحاكم ان يحجر عليه الأقرب عندنا المنع لان التقدير انه متمكن من الايفاء فلا معنى للحجر بل يحبس أو يباع عليه وهو أحد وجهي الشافعي والثاني انه يحجر عليه إذا التمسه الغرماء لئلا يتلف ماله ولو اخفى ماله حبسه القاضي حتى يظهره روى أنه صلى الله عليه وآله قال الملازمة فإن لم ينزجر زاد في تعزيره بما يراه من ضرب وغيره ولو كان له مال ظاهر فهل يحبسه لامتناعه الأولى ذلك لأنه صلى الله عليه وآله حبس رجلا أعتق شقصا له من عبد في قيمة الباقي فان ادعى انه قد تلف ماله وصار معسرا فعليه البينة فان شهدوا على التلف قبلت شهادتهم ولم يعتبر فيهم الخيرة الباطنة وان شهدت على اعساره قبلت ان كانوا من أهل الخبرة الباطنة ويحمل على قولهم إنهم معسر على أنهم وقفوا على تلف المال فان ادعى الديون انه معسر لا شئ له أو قسم مال المحجور على الغرماء وبقي بعض الدين فزعم أنه لا يملك شيئا آخر وأنكر صاحب الدين أو الغرماء اعساره فإن كان الدين لزمه في مقابلة مال كما إذا ابتاع أو استقرض أو باع سلما فهو كما لو ادعى هلاك المال فعليه البينة وان لزم لا في مقابلة مال قبل قوله مع اليمين لان الأصل العدم وهو أصح وجوه الشافعية والثاني انه لا يقبل ويحتاج إلى البينة لأن الظاهر حال الحر انه يملك شيئا قل أم كثر والثالث انه لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل قوله وعليه البينة وان لزمه لا باختياره كأرش الجناية وغرامة تلفت قبل قوله مع اليمين لأن الظاهر أنه لا يشغل ذمته اختيارا ولا يلتزم بما لا يقدر عليه. مسألة: إذا ادعى المديون الاعسار وكان أصل الدعوى مالا أو كان له مال فادعى تلفه افتقر إلى البينة لان بقاء المال في يده فإذا ادعى خلاف الأصل كان عليه البينة فإن لم يكن بينة حلف الغرماء على عدم التلف فإذا حلفوا حبس قال ابن المنذر وأكثر من يحفظه عنه العلم من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين منهم مالك والشافعي وأبو عبيدة والنعمان وسوار و عبد الله بن الحسن و شريح والشعبي وقال عمر بن عبد العزيز يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس وبه قال عبد الله بن جعفر والليث بن سعد وان شهدت بالبينة بتلف ماله سمعت فان طلب الغرماء يمينه على ذلك مع البينة لم يجابوا لان ذلك تكذيب للشهود وان شهدت البينة بالاعسار وقد كان له مال لم تسمع الا ان يكون البينة من أهل الخبرة الباطنة لان الاعسار أمر خفي فافتقرت الشهادة به إلى العشرة الطويلة والاختبار في أكثر الأوقات فان شهدت بذلك وكانت من أهل الخبرة الباطنة سمعت الشهادة وثبت الاعسار عندنا وبه قال الشافعي واحمد لان النبي صلى الله عليه وآله قال لقبيصة بن المخارق يا قبيصة ان المسألة لا تحل الا لاحد ثلاثة رجل يحمل حماله فحلت له المسألة حتى يوديها ثم يمسك ورجل اصابته فاقة حتى شهد وتكلم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه ان به حاجة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قال قواما من عيش ورجل اصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصاب فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش وقال مالك لا تسمع البينة على الاعسار لأنها شهادة على النفي فلا تسمع كما لو شهدت انه لا حق لزيد على عمرو وهو غلط لأن هذه الشهادة وان تضمنت النفي الا انها تشهد بثبوت حال تظهر ويوقف عليها كما لو شهد ان لا وارث غير هذا فإنه يسمع شهادته بخلاف الشهادة بأنه لا حق عليه لان ذلك مما لا يوقف عليه ولا يشهد به حال يتوصل
(٥٨)