ولم يصح سماعه منه وقد روى أنه قال في حوالة أو كفالة وهو يدل على شكه وتردده في الرواية فلا يجوز العمل بها على أن قول عثمان ليس بحجة خصوصا مع معارضته للحجة وهو قول علي (ع) ولا نسلم ان الحوالة معاوضة لاشتماله على بيع الدين بالدين وهو منهي عنه والقياس على العين باطل لأنه لا يشبه مسئلتنا لان في ذلك قبضا يقف استقرار العقد عليه وهنا الحوالة بمنزلة العوض المقبوض والا كان بيع دين بدين مسألة لو شرط المحتال ملاءة المحال عليه فبأن معسرا كان له الرجوع لما بينا من أنه يرجع عند الاطلاق فمع شرط الملاءة الأولى وهو قول ابن شريح لقوله (ع) المسلمون على شروطهم ولا نشترط ما فيه مصلحة العقد في عقد معاوضة فيثبت فيه الفسخ بفواته كما لو شرط صفة في المبيع وقد يثبت بالشرط ما لا يثبت باطلاق العقد كما لو شرط صفة في المبيع وقال المزني نقلا عن الشافعي انه لا يرجع لأنه قال غره أو لم يغره لا يرجع قال ابن شريح هذا الذي نقله المزني لا نعرفه للشافعي والذي يشبه أصله انه يرجع كما إذا شرط صفة في المبيع فبأن بخلافها قال بعض الشافعية الصواب ما نقله المزني لان الاعسار لا يرد الحوالة إذا لم يشترط الملاءة مع كونه نقصا فلو ثبت ذلك بالشرط لثبت بغير شرط ولان الاعسار لو حدث لم يثبت له فسخ الحوالة بخلاف النقص الحادث في المبيع فكذلك عدم المشروط ولان الاعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرط ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة فاختلفا ونمنع كون الاعسار لا يرد الحوالة إذا لم يشترط وقد سبق ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ونحن لا ندعي مساواة الحوالة للبيع في جميع احكامه تذنيب لو كان المحال عليه معسرا أو لم يعلم المحتال ثم تجدد اليسار وعلم سبق الفقر احتمل ثبوت الخيار للاستصحاب وعدمه لزوال المقتضى مسألة إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرايط انتقل المال إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل سواء أبرأه المحتال أو لا وهو قول عامة الفقهاء لان الحوالة مأخوذة من التحويل للحق وانما يتحقق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمة إلى أخرى وليس هنا الا ذمة المحيل والمحال عليه فإذا تحول الحق من ذمة أحدهما إلى الأخر مع اليسار أو علم الاعسار لم يعد الحق إليه لعدم المقتضي وقال شيخنا رحمه الله في النهاية ومن كان له على غيره مال فأحال به على غيره وكان المحال عليه مليا به في الحال وقبل الحوالة وأبرأه ذمته منه لم يكن له الرجوع عليه ضمن ذلك المحال عليه أو لم يضمن بعد ان يكون قد قبل الحوالة فإن لم يقبل الحوالة الا بعد ضمان المحال عليه ولم يضمن من أحيل عليه ذلك كان له مطالبة المحيل ولم تبرأ ذمته بالحوالة فان انكشف لصاحب المال ان الذي أحيل به عليه غير ملي بالمال بطلت الحوالة وكان له الرجوع على المديون بحقه عليه ومتى لم يبرأ المحال له بالمال المحيل في حال ما يحيله كان له أيضا الرجوع عليه في اي وقت شاء وكان الحسن البصري أيضا لا يرى الحوالة مبرئة الا ان يبرئه واحتج الشيخ رحمه الله بما رواه زرارة في الحسن عن الصادق أو الباقر عليهما السلام في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل فيقول له الذي احتال برئت من مالي عليك قال إذا برئه فليس له ان يرجع عليه فإن لم يبرئه فله ان يرجع على الذي احاله وهذه الرواية لا بأس بها لصحة السند لكن المشهور عند الأصحاب والعامة البراءة بمجرد الحوالة فلابد من حمل الرواية على شئ وليس ببعيد من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة فإنه يستفيد بذلك عدم الرجوع ولو ظهر افلاس المحال عليه أو تقول إذا لم يبرأه فله ان يرجع على الذي احاله إذا تبين له اعساره وقت الحوالة النظر الثاني في الرضي بالحوالة مسألة يشترط في الحوالة رضي المحيل وهو الذي عليه الحق اجماعا فلو أكره على أن يحيل فأحال بالاكراه لم تصح الحوالة ولا نعرف فيه خلافا لان من عليه الحق مخير في جهات القضاء فله ان يقضي من اي جهة شاء فلا يعين عليه بعض الجهات قهرا فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين الذي له على المحال عليه الا في صورة واحدة لا يعتبر فيها رضي المحيل وهي إذا ما جوزنا الحوالة على من لا دين عليه ولو قال للمستحق أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي فقبل صحت الحوالة فاذن لا يشترط هنا رضي المحيل بل رضي المحتال والمحال عليه خاصة مسألة يشترط رضي المحتال عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأبو حنيفة لان حقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزمه نقله إلى ذمة أخرى الا برضاه كما أنه لا يجوز ان يجبر على أن يأخذ بالدين عوضا وكما إذا ثبت حقه في عين لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه وقال داود واحمد لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليا لقوله صلى الله عليه وآله من أحيل على ملي فليحتل والامر للوجوب ونحن نمنع الوجوب بل المراد به الارشاد مسألة يشترط عندنا رضي المحال عليه فلو لم يرض المحال عليه أو لم يعلم هل رضي أم لا لم تصح الحوالة وبه قال أبو حنيفة والزهري المزني وقال أبو العباس بن العاص نص الشافعي في الاملاء على انها تفتقر إلى رضي المحال عليه واليه ذهب أبو سعيد الإصطخري من الشافعية لأنه أحد من تتم به الحوالة فأشبه المحتال والمحيل ولان الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولة وصعوبة ولان الأصل بقاء الحق في ذمة المحال عليه للمحيل فيستصحب إلى أن يظهر المعارض وأصح القولين عند الشافعي انه لا يعتبر رضي المحال عليه إذا كانت الحوالة على من عليه دين للمحيل وبه قال مالك واحمد لان المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة فلم يفتقر إلى رضي من عليه الحق كما لو كان وكيلا في قبضه بخلاف المحتال فإنه ينتقل حقه ويبرئ ذمته منه ولان المحال عليه محل الحق والتصرف فلا يعتبر رضاه كما لو باع عبدا لا يعتبر رضاه وبنوا الوجهين على أن الحوالة اعتياض أو استيفاء ان قلنا بالأول فلا يشترط لأنه حق للمحيل فلا يحتاج فيه إلى رضي الغير وان قلنا بالثاني يشترط لتعذر أقراضه من غير رضاه وإن كانت الحوالة على من لا دين عليه لم تصح عند الشافعي الا برضى المحال عليه لأنا لو صححناه لألزمنا قضاء دين الغير قهرا وان رضي في صحة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور فسيأتي فقد ظهر من هذا الاجماع على اعتبار رضي المحيل الا في الصورة التي ذكرناها في أول النظر وان أصحابنا اشترطوا رضي الثلاثة المحيل والمحتال والمحال عليه النظر الثالث في الدين مسألة إذا أحال زيد عمروا على بكر بألف فلا يخلو ما ان يكون ذمة زيد مشغولة بالألف لعمرو أو لا وعلى كلا التقديرين فإما ان يكون بكر برئ الذمة منها أو مشغولها فالأقسام أربعة آ ان يكون ذمة زيد وبكر مشغولتان ولا خلاف هنا في صحة الحوالة ب قسيم هذا وهو أن تكون ذمتهما بريئة فإذا أحال زيد وهو برئ الذمة عمروا ولا دين له عليه على بكر وهو برئ الذمة لم يكن ذلك إحالة صحيحة لان الحوالة انما تكون بدين رهنا لم يوجد بل يكون ذلك وكالة في اقتراض وانما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المعنى وهو استحقاق الوكيل ان يفعل ما امره الموكل من الاقتراض وان يطالب من المحال عليه كما يستحق المحتال مطالبة المحال عليه ج ان يكون المحيل برئ الذمة والمحال عليه مشغولها فيحيل من لا دين له على من للمحيل عليه دين بقبضه فلا يكون ذلك أيضا حوالة لان الحوالة مأخوذة من تحول الحق وانتقاله ولا حق فيها ينتقل ويتحول بل يكون ذلك في الحقيقة وكالة في الاستيفاء لاشتراكهما في الاستحقاق الوكيل مطالبة من عليه الدين كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه وتحول ذلك إلى الوكيل كتحوله إلى المحيل د ان يكون المحيل مشغول الذمة والمحال عليه برئ الذمة وفي صحة هذه الحوالة اشكال أقربه الصحة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لان المحال عليه إذا قبلها صار كأنه قضى دين غيره بذمته لان الحوالة بمنزلة الحق المقبوض وإذا قبض حقا من غيره صح وسقط عن غيره كذا هنا لكن يكون ذلك بالضمان أشبه وللشافعي وجهان مبنيان على أن الحوالة اعتياض واستيفاء فان قلنا إنها اعتياض لم يصح لأنه ليس له على المحال شئ عليه يجعله عوضا عن حق المحتال وان قلنا
(١٠٦)