ومن طريق الخاصة ما رواه أبو حمزة قال سألته عن الرهن والكفيل في بيع النسية قال لا بأس به وعن معوية بن عمار قال سألت الصادق (ع) عن الرجل يسلم في الحيوان و الطعام ويرتهن الرجل قال لا بأس يستوثق من مالك والاخبار في ذلك كثيرة لا تحصى وقد أجمعت الأمة كافة على جواز الرهن في الجملة وليس واجبا اجماعا وقوله تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة المراد منه الارشاد دون الامر الموجب وهو عقد لازم من طرف الراهن جايز من جهة المرتهن اجماعا فليس للراهن فسخ الرهن ويجوز للمرتهن فسخه. الفصل الأول: في الأركان وهي أربعة يشتمل عليها أربعة مباحث. المبحث الأول: في الصيغة الرهن كالبيع في افتقاره إلى صيغة تدل عليه والأصل فيه ان المعاملات لابد فيها من التراضي بين المتعاملين والرضا من الأمور الباطنة الخفية عنا ولا يمكن التوصل إلى معرفته الا بالصيغ الدالة عليه والخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيحاب والايجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آت ههنا واعلم أن الرهن إما ان يكون مبتداء متبرعا به وهو الذي لا يقع شرطا في عقد بل يقول الراهن رهنت هذا الشئ عندك على الدين الذي علي فيقول المرتهن قبلت واما ان يقع شرطا في عقد كبيع أو اجارة أو نكاح أو غير ذلك فيقول بعتك هذا الشئ بشرط ان ترهنني عبدك فيقول اشتريت ورهنت أو زوجتك نفسي على مهر قدره كذا بشرط ان ترهنني دابتك على المهر فيقول الزوج قبلت ورهنت فالقسم الأول لابد فيه من الايجاب والقبول عند من اشترطهما ولم يكتف بالمعاطاة واما القسم الثاني فقد اختلفوا فيه فقال بعض الشافعية إذا قال البايع بعتك كذا بشرط ان ترهنني كذا فقال المشتري اشتريت ورهنت لابد وأن يقول البايع بعد ذلك قبلت الرهن وكذا إذا قالت المراة زوجتك نفسي بكذا بشرط ان ترهنني كذا فقال الزوج قبلت النكاح ورهنتك كذا فلابد أن يقول المراة بعد ذلك قبلت الرهن لأنه لم يوجد في الرهن سوى مجرد الايجاب وهو بمفرده غير كاف في اتمام العقد وقال آخرون ان وجود الشرط من البايع والزوجة يقوم مقام القبول لدلالته عليه وكذا الاستيجاب يقول مقام القبول. مسألة: قد بينا انه لابد في الرهن من ايجاب وقبول فالايجاب كقوله رهنتك أو هذا وثيقة عندك على كذا أو هو رهن عندك وما أدي هذا المعنى من الألفاظ والقبول كقوله قبلت أو رضيت وما أدي معناه ولابد من الاتيان فيهما بلفظ الماضي فلو قال أرهنك كذا وانا اقبل لم يعتد به وكذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول لعدم دلالته على الجزم بالرضا وهل يشترط في الصيغة اللفظ العربي الأقرب العدم ولا يكفي الإشارة ولا الكتابة الا مع العجز عن النطق فيكفي الإشارة الدالة عليه وكذا الكتابة مع الإشارة ولا يكفي الكتابة المجردة عن الإشارة الدالة على الرضا. مسألة: الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة التي لا تفضي إلى جهالة في بيع ان شرط فيه عند علمائنا أجمع لقوله (ع) المؤمنون عند شروطهم ولقوله تعالى أوفوا بالعقود ومعنى الايفاء العمل بمقتضاه فإذا كان مشروطا دخل تحت هذا الامر وقالت الشافعية ان شرط في الرهن شرطا فاما ان يكون من مقتضى عقد الرهن أو لا يكون من مقتضاه فإن كان الأول مثل ان يشرط كون الرهن في يد المرتهن أو عدل أو يبيعه عند محل الدين أو يشترط منافعه للراهن أو على أن يباع الرهن في دينك عند الحاجة أو يتقدم به عند تزاحم الغرماء أو لا أبيعه الا باذنك فان مثل هذه الشروط كلها لا يضر التعرض بها لا في رهن التبرع ولا في رهن المشروط في العقد وانما هو تصريح بمقتضى العقد وتأكيد لمقتضاه وإن كان الثاني فإما ان يتعلق بمصلحة العقد كالاشهاد أو لا يتعلق به غرض كقوله بشرط ان لا يأكل الا اللحم أو ما عداهما والأولان فيهما قولان كما لو شرطا في البيع وقد سبق فيه حكمهما والثالث وهو ان يشترط ما عداهما فإما ان ينتفع المرتهن ويضر الراهن أو بالعكس فالنوع الأول كما إذا رهن داره بشرط ان يرهن غيرها أو بشرط ان لا ينفك الرهن بعد أداء الدين شهرا أو ان يكون منافع المرهون أو زوايده للمرتهن أو ان لا يسلمه إليه أو ان لا يبيعه عند محل الحق أو ان لا يبيعه الا بما يرضى به فهنا يبطل الشرط عند الشافعي ثم إن كان الرهن رهن تبرع فللشافعي قولان أصحهما عنده ان الرهن فاسد أيضا لما فيه من تغيير قضية العقد والثاني وبه قال أبو حنيفة لا يفسد بفساد الشرط لان الرهن تبرع من الراهن وهذا الشرط فيه تبرع آخر واحد التبرعين لا يبطل ببطلان الثاني كما لو اقرضه الصحاح وشرط رد المكسر يلغو الشرط ويصحح القرض وإن كان الرهن مشروطا في بيع نظر فإن لم يجر الشرط جهالة الثمن كما إذا اشترط في البيع رهنا على أن يبقى محبوسا عنده بعد أداء الثمن شهرا ففي فساد الرهن القولان السابقان في رهن التبرع فان فسد ففي فساد البيع القولان في أن الرهن وساير العقود المستقلة إذا شرطت في البيع على نعت الفساد هل يفسد البيع قولان تقدما فان قلنا بصحة البيع فللبايع الخيار صح الرهن أو فسد لأنه ان صح لم يسلم له الشرط وان لم يصح لم يسلم له أصل الرهن فان جر الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع وهنا وشرط ان يكون منافعه وزوايده للمرتهن فالبيع باطل لان المشروط استحقاقه يصير جزءا من الثمن وهو مجهول وإذا بطل البيع بطل الرهن والشرط لا محالة هذا ما اتفق عليه جماهيرهم ووراؤه كلامان آخران أحدهما نقل المزني في المسألة ان للبايع الخيار في فسخ البيع واثباته وتوهم انه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد واعترض عليه بأنه خلاف أصله في أن الفاسد لا خيار فيه وأصحابه خطاؤه في قيله وتوهمه والثاني ان القاضي بن كح حكى طريقة أخرى ان في فساد الرهن قولين وان فسد ففي فساد البيع قولان كما سبق وكلام ثالث استحسنه بعضهم وهو ان الحكم بالبطلان فيما إذا اطلق فقال بعتك هذا العبد بألف لترهن به دارك ويكون منفعتها لي فأما إذا قيد وقال يكون منفعتها لي سنة أو شهرا فهذا جمع بين البيع والإجارة في صفقة واحدة وقد سبق حكمه في البيع والنوع الثاني وهو ان يكون الشرط مما ينفع الراهن ويضر المرتهن كما لو قال رهنتك بشرط ان لا تبيعه عند المحل أو لا يبيعه بعد المحل الا إذا مضى شهرا والا بما ارضى أو بأكثر من ثمن المثل فهو فاسد عندهم مفسد للرهن وقال بعضهم يجئ في افساده الرهن القولان المذكوران في النوع الأول واستغربه بعضهم والفرق على ظاهر مذهبهم ان ما ينفع الرهن يزيد في الوثيقة ويؤكد ما وضع العقد له وما يضر يخل به فإن كان الرهن مشروطا في بيع عاد القولان في فساده بفساد الرهن المشروط فإن لم يفسد فللبايع الخيار واعلم أن بعض الشافعية قسم فقال إن شرط ما هو من مقتضى عقد الرهن مثل كون الرهن في بد المرتهن أو في يد عدل صح الشرط وان شرط ما ينافي مقتضى العقد مثل ان يشرط ان لا يسلمه إليه أو ان لا يبيعه عند محل الدين أو كون المنافع للمرتهن فسد الشرط لمنافاته مقتضى عقد الرهن وهل يفسد الرهن ينظر فإن كان نقصانا من حق المرتهن بطل عقد الرهن قولا واحدا وإن كان زيادة في حق المرتهن فقولان أحدهما يفسد لان هذا شرط فاسد فأفسده كما لو كان نقصانا من حق المرتهن والثاني لا يفسد لان الرهن قد تم وانما شرط له زيادة لا يقتضيها فسقط الزيادة وبقي عقد الرهن ويفارق إذا كان نقصانا من حق المرتهن لان الرهن لم يتم فان قلنا العقد فاسد ففي فساد البيع إذا شرط فيه قولان أحدهما يفسد وبه قال أبو حنيفة لان الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده لان سقوطه يقتضي رد جزء من الثمن ترك لأجله وذلك مجهول والثاني لا يفسد البيع لان الرهن ينعقد منفردا عن البيع فلم يفسد بفساده كالصداق مع النكاح إذا ثبت هذا فان أبا حنيفة قال لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة لأنه عقد يفتقر إلى القبض فلا يبطل بالشرط الفاسد كالهبة فان العمري يشترط فيها رجوع الموهوب إليه ولا يفسد واحتجت الشافعية على الفساد بان هذا شرط فاسد قارن عقد الرهن فوجب ان يفسده كما لو قال رهنتك على أن يكون يوما في يدك ويوما في يدي ومنعوا الهبة والعمري تقبل إذا قال أعمرتك حياة فلان فأما إذا قال حياتك ففيه قولان وان سلم فالفرق انه لم يشرط زوال ملكه وانما شرط عودها إليه بعد
(١٢)