كالمضاربة ثم يبطل قياسهم بالمضاربة فإنه عمل في المال ببعض نمائه وهو معدوم مجهول وقد جازت بالاجماع وهذا في معناه ثم قد جوز الشارع العقد في الإجارة على المنافع المعدومة للحاجة مع أن القياس انما يكون في الحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه أو المختلف فيه بالمجمع عليه عندهم واما في ابطال نص وجرح اجماع بقياس نص اخر فلا سبيل إليه مسألة والمساقاة جايزة في كل شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته وعليه عمل السلف وبه قال أكثر الفقهاء والتابعين وقال داود لا يجوز المساقاة الا في النخل خاصة لان الخبر انما ورد بها فيه وقال الشافعي لا يجوز إلا في النخل والكرم لان الزكاة تجب في ثمرتها واما باقي الشجر فقولان أحدهما لا تجوز فيه لان الزكاة لا تجب في نمائه فأشبه ما لا ثمرة له والحق خلافهما لعموم الخبر الوارد في أنه (ع) عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من الأرض من زرع أو شجر وهذا عام في كل ثمرة وقل ان يخلو بلد ذو؟ نخل وشجر عن شجر غير النخل والكرم وقد جاء في لفظ بعض الأخبار ان النبي صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والشجر ولأنه شجر مثمر كل حول فأشبه النخل والكرم ولان الحاجة تدعوا إلى المساقاة عليه كالنخل ووجوب الزكاة ليس هو العلة المجوزة للمساقاة ولا اثر له فيها حتى ينتفى الجواز بانتفائه وإنما العلة ما قلناه البحث الثاني في الصيغة ولا بد في المساقاة من الصيغة الدالة على الرضا لان ذلك من الأمور الخفية الباطنة فلا بد من دلالة يكشف عنه ويظهره وليس ذلك إلا الألفاظ التي يعبر بها عن المعاني الباطنة ولا يكفي التراضي والمعاطاة كما قلنا إنه لا يكفي في البيع وبعض الشافعية الذين جوزوا ذلك في البيع جوزوا هنا والحق انه لا بد من عقد يشتمل على ايجاب وقبول وأظهر صيغ الايجاب ساقيتك على هذه النخيل أو عقدت معك عقد المساقاة أو عاملتك أو سلمت إليك وما شابهه وبالجملة كل لفظ يؤدى هذا المعنى كقوله تعهدت نخلى بكذا أو اعمل فيه بكذا وهل اللفظ الصريح المساقاة والباقي كنايات أو الجميع صريح احتمال فان قلنا بالأول جوزنا مثل هذه العقود بالكنايات ونظير ذلك ان صرايح الرجعة غير محصورة مسألة ولا بد من القبول لفظا لان عقد المساقاة عقد لازم من الطرفين فأشبهت الإجارة ولا يجري فيها القول المذكور في القراض والوكالة ولو تعاقدا بلفظ الإجارة بان قال العامل آجرتك نفسي مدة كذا للتعهد بنخلك بالثلث من الثمرة أو النصف وشبهه أو قال المالك استأجرتك لتعهد نخلى بكذا من ثمارها لم يصح لان المساقاة والإجارة معنيان مختلفان لا يعبر بأحدهما عن الأخر كما أن البيع والإجارة مختلفان ولو قصد الإجارة بطل لجهالة العوض وللشافعية قولان جاريان في الإجارة بلفظ المساقاة أحدهما الصحة لما بين العقدين من المشابهة واحتمال كل واحد من اللفظين معنى الأخر وأظهرهما عندهم المنع لان لفظ الإجارة صريح في غير المساقاة فان أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه والا فهو اجارة فاسدة والخلاف بينهم راجع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعنى ولو قال المالك استأجرتك لتعمل لي في هذا الحايط حتى تكمل ثمرته بنصف ثمرته لم يصح لما تقدم وللشافعية والحنابلة وجهان سبقا مسألة لو قال ساقيتك على هذه النخل بكذا ليكون لك أجرة المثل لم يصح العقد إما بطلان كونه مساقاة فلان موضوعها ان يكون الثمرة بينهما مشاعة واما بطلان كونها اجارة فلجهالة العوض وإن كان ما عقد عليه هو الواجب عند الاطلاق وقال بعض الشافعية يجوز لسبق لفظ المساقاة هذا إذا قصد بلفظ الإجارة المساقاة واما إذا قصد الإجارة نفسها فينظر ان لم تخرج الثمرة لم يجز لان الشرط ان يكون الأجرة في الذمة أو موجودة معلومة وان خرجت وبدا الصلاح فيها جاز سواء شرط ثمرة نخلة معينة أو جزءا شايعا وان لم يبد فيها الصلاح فان شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل الثمار له وان شرط جزءا شايعا لم يجز وان شرط القطع لما سبق في البيع والحق عندنا ما قدمناه ولو ساقاه على أن لك النصف اجرة عملك أو عوض عملك فالأقرب الجواز لان الذي شرط له هو عوض عمله مسألة إذا عقد بلفظ المساقاة لم يحتج إلى تفصيل الأعمال الذي يقتضيها عقد المساقاة بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب وهو أصح وجهي الشافعية والثاني انه يجب تفصيلها لان العرف يكاد يضطرب ولا ينضبط هذا إذا عرف المتعاقدان العرف المحمول عليه المتعاهد بين الناس عند الاطلاق فان جهلاه أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة لتنتفي الجهالة البحث الثالث في شرايط الاستيجار وهي ثلاثة الأول ان يكون المساقي عليه شجرا ثابتا ونعني بالشجر ما له ساق وهو مخصوص بذلك بالعرف اللساني قال الله تعالى والنجم والشجر يسجدان قيل في التفسير النجم ما لا ساق له من النبات والشجر ما له ساق فكل ما لا أصل له ولا يسمى شجرا لا تصح المساقاة عليه كالبطيخ والقساء وقصب السكر والبادنجان والبقول التي لا تثبت في الأرض ولا تجز الامرة فلا تسقط المساقاة عليه اجماعا واما ما يثبت في الأرض ويجز مرة بعد أخرى فكذلك إذا لم يسم شجرا لان المساقاة جوزت رخصة على خلاف القياس فلا يتعدى إلى غير موردها وهو أصح قولي الشافعية والثاني انه تصح المساقاة عليه مسألة ولابد من أن تكون الأشجار ثابتة فلا تصح المساقاة على ودى بكسر الدال وتشديد الياء وهو الفسيل قبل ان يغرس وبه قال الشافعي لأنه قد لا يعلق وهذا غرر فلا يجوز ولان المساقاة انما يكون على أصل ثابت ولهذا فان ما ليس له أصل ثابت لا تصح المساقاة عليه كالزرع والبقول فإذا دفع إليه الأرض والفسيل قبل ان يزرع وساقاه على أن يغرسه ويعمل عليه حتى يحمل يكون للعامل جزء من الثمرة معلوم له يصح وكذا لو دفع إليه الأرض وساقاه على شجر يغرسه ويعمل فيه حتى يحمل ويكون له جزء معلوم من الثمرة لم يصح أيضا لان الغرس ليس من اعمال المساقاة فضمه إليها كضم التجارة إلى عمل القراض وقال احمد تصح هذه المساقاة لحديث خيبر في الزرع والنخل لكن بشرط ان يكون الغرس من صاحب الأرض كما يشترط هو في المزارعة ان يكون البذر من صاحب الأرض وإن كان من العامل فروايتان إحديهما البطلان مسألة ولو ساقاه على ودي مقلوع ليغرسه ويكون الشجر بينهما فالعقد باطل وبه قال الشافعي لان المساقاة موضوعة على أن يكون الشركة بين العامل والمالك في الثمرة والنماء لا غير فإذا شرط العامل مشاركته في الأصول فقد شرط ما يخالف مقتضاها ففسدت وقال احمد تصح كالمزارعة إذا دفع المالك الأرض ليبذرها العامل إما من بذره أو من بذر المالك ويكون النماء بينهما وهذا نظيره وهو ممنوع للفرق بين المزارعة والمساقاة ومع هذا فان احمد سلم انه لو دفعها على أن الأرض والشجر بينهما فان المعاملة يكون فاسدة وهو قول باقي الفقهاء لأنه شرط اشتراكهما في الأصل ففسد كما لو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما فظهر من هذا انه لو ساقاه على شجر يغرسه ويعمل فيه حتى يحمل ويكون للعامل جزء من الثمرة صح عند احمد قولا واحدا ولو شرط ان يكون له مع الحصة من الثمرة حصة من الشجرة صح على أحد الوجهين وان شرط ان يكون له مع الصحة من الشجرة حصة من الأرض لم يصح قولا واحدا والكل عندنا باطل مسألة قد عرفت من هذا أن المغارسة باطل وهي ان يدفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أن الغرس بينهما أو ان الأرض والغرس بينهما فان غرس العامل فإن كان الغرس من المالك كان للعامل أجرة المثل مدة عمله على المالك لأنه دخل في هذه المعاملة على أن تسلم له الحصة فلم يكن متبرعا بعضه ولم يسلم له ما شرط فيكون له أجرة المثل والغرس لصاحب الأرض ولو كان الغرس من العامل كان لصاحب الأرض إزالته وله الأجرة على العامل لفوات ما حصل الاذن بسببه وعليه أرش النقصان بالقلع ولو دفع القيمة ليكون الغرس له لم يجبر الغارس وكذا لو دفع الغارس
(٣٤٢)