هنا العلم بالقدر ولم يكتفوا بالمشاهدة في الإجارة والفرق ان المنافع لا حضور لها محققة عند العقد وإنما هي متعلقة بالاستيفاء والمشاهدة لا يطلع فيها على الغرض بل لا بد من التقدير مسألة ولتقدير المنافع طريقان أحدهما التقدير بالزمان كما لو استأجر الدار للسكنى سنة والعبد ليخدمه شهرا أو الثوب ليلبسه يوما والثاني التقدير بالعمل كما لو استأجر الخياط ليخيط له ثيابا بعينها أو الدابة ليركبها إلى موضع بعينه أو ليحملها شيئا معلوما إلى موضع بعينه والضابط ان كل منفعة يمكن تقديرها وعلمها بنفسها من غير التقييد بالزمان كالخياطة والركوب إلى موضع معين يجوز ضبطها بنفسها فيستأجر الخياط ليخيط له ثوبا معينا من غير تقييد بالزمان أو الدابة ليركبها إلى موضع معين من غير تقييد بالزمان ويجوز تقديرها بالزمان كما لو استأجر الخياط لخياطة شهر أو استأجر الدابة ليركبها شهرا وكل منفعة لا يمكن تقديرها الا بالزمان وجب في تقديرها والعلم به ذكر زمانها كما في استيجار العقارات فإن منافعها لا يمكن ضبطها إلا بالمدة كالرضاع فإن تقدير اللبن لا يمكن ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان مسألة كل منفعة يمكن ضبطها بالعمل أو بالزمان كما قلنا في استيجار عين شخص أو دابة بان يقول لتعمل له شهرا خياطة أو يقول لتخيط هذا الثوب أو لا ركب الدابة إلى موضع كذا أو لا تردد عليها في حوائجي اليوم فإنه يكفي لتعريف المقدار أيهما كان ولو جمع بينهما فقال استأجرتك لتخيط هذا القميص اليوم أو لا ركب الدابة إلى موضع كذا في يومين لم يصح وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصح الوجهين لما فيه من الغرر الحاصل بإضافة الزمان إلى العمل مما لا حاجة إليه فإنه يجوز انتهاء العمل قبل انقضاء الزمان المشروط أو ينتهى الزمان قبل انقضاء العمل فإن استعمله في بقية المدة وفقد زاد على ما وقع عليه العقد وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة وقد لا يفرغ من العمل في المدة فإن أتم عمل في غير المدة وإن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد وهذا غرر أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه والوجه الثاني للشافعية الجواز وبه قال أبو يوسف ومحمد واحمد في رواية لان المدة مذكورة للتعجيل فلا تورث فساد العقد والإجارة معقودة على العمل فعلى هذا إذا فرغ من العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في باقي المدة لأنه وفى بما عليه قبل مدته فلا يلزمه شئ اخر كما لو قضى الدين قبل اجله وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة لان الأجير لم يف له بشرطه وإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ لان الاخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة إلى الفسخ كما لو تعذر أداء المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم فسخ العقد فإن اختار امضاء العقد طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه وإن فسخ العقد قبل عمل شئ من العمل سقط الاجر وإن كان بعد عمل شئ منه فله اجر مثله لأن العقد قد انفسخ فسقط المسمى ويرجع إلى أجرة المثل وقد نقل عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع على أن يدخله في ثلث فدخله في ست فقال قد اضربه فقيل يرجع عليه بالقيمة قال لا يصالحه وهذا مأخوذ من رواية محمد بن مسلم الصحيحة عن الباقر (ع) قال سمعته يقول كنت جالسا عند قاض من قضاة المدينة فاتاه رجلان فقال أحدهما اني تكاريت هذا يوافي بي؟ السوق يوم كذا وكذا وانه لم يفعل قال فقال ليس له كراء قال فدعوته فقلت له يا عبد الله ليس لك ان تذهب بحقه وقلت للاخر وليس لك أن تأخذ كل الذي عليه اصطلحتما فترادا بينكما وهذه الرواية تدل على تسويغ الجمع بين المدة والعمل وعلى الوجه الثاني للشافعية وهو الجواز لهم وجهان أصحهما انه يستحق الأجرة بأسرعهما تماما فإن تم العمل قبل تمام اليوم وجبت الأجرة وإن انقضى النهار قبل تمام العمل فكذلك والثاني ان الاعتبار بالعمل المقصود فإن تم قبل انقضاء اليوم وجبت الأجرة وإن انقضى اليوم قبله وجب اتمامه وقال بعض الشافعية ان انقضى النهار أو لا لم يلزمه خياطة الباقي وإن أتم العمل أولا فللمستأجر ان يأتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقية النهار فإن قال في الإجارة على انك ان فرغت قبل اتمام اليوم لم تحط غيره بطلت الإجارة لان زمان العمل يصير مجهولا إذا عرفت هذا فالمنافع متعلقة بالأعيان وتابعة لها وعد آحاد الأعيان التي تستأجر كالمتعذر لكن نذكر ما يكثر البلوى به ويكون أكثر دورانا في الإجارة ليعرف الضابط في كل واحد منها ثم يقاس عليها غيرها وهي أنواع ثلاثة الأول الآدمي مسألة الآدمي يصح ان يستأجر لعمل أو صناعة كالخياطة والبناء وشبهها حرا كان أو عبدا رجلا كان أو امرأة صغيرا كان أو كبيرا ولا خلاف بين العلماء في جواز استيجار الآدمي وقد اجر موسى (ع) نفسه لرعاية الغنم واستأجر النبي صلى الله عليه وآله رجلا ليدله على الطريق وقال (ع) أعطوا الأجير اجرته بل إن يجف عرقه واستأجر (ع) اجراء كل أجير بعرق من ذرة وقال انما مثلكم ومثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين فعملتم أنتم فغضب اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل اجرا فقال هل ظلمت من أحدكم شيئا قالوا قال فإنما هي فضلى اويته؟ من أشاء رواه العامة ومن طريق الخاصة ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري قال كنت مع الرضا في بعض الحاجة فإن أردت انصرف إلى منزلي قال فقال لي انطلق معي فبت عندي الليلة فانطلقت معه فدخلت إلى داره مع المغيب فنظر إلي غلمانه يعملون بالطين أو ارى الدواب وغير ذلك فإذا معهم اسود ليس منهم فقال ما هذا الرجل معكم فقالوا يعاوننا ونعطيه شيئا قال قاطعتموه على اجرته فقالوا لا هو يرضى منا بما نعطيه فاقبل عليهم (اخور)؟ يضربهم بالسوط وغضب غضبا شديدا قلت جعلت فداك لم تدخل على نفسك فقال اني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة ان يعمل معهم أجير حتى يقاطعوه اجرته واعلم أنه ما من أحد يعمل معك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشئ ثلاثة اضعافه على اجرته الا ظن أنه قد نقضه اجرته فإذا قاطعته ثم أعطيته اجرته حمدك على الوفاء فإن زدته حبة عرف ذلك ورأى انك قد زدته والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ولان الحاجة تشتد إلى منافع الانسان كالبناء والخياطة والحياكة والتجارة والحدادة وغير ذلك من الصنايع ومثل هذه لا يسمج الانسان ببذلها من غير عوض لأنها تستغرق زمانه وتمنعه عن مصالحة فلا بد من المعاوضة عليها وكما اقتضت الحكمة ابدال الأعيان بالاعراض في البيع كذا اقتضت ابدال المنافع بها لاشتراكهما في الحاجة الشديدة مسألة وإجارة الآدمي على ضربين أحدهما استيجاره مدة بعينها لعمل بعينه كإجارة موسى نفسه ثماني حجج والثاني استيجاره على عمل معين في الذمة كاستيجار رجل لبناء حائط أو خياطة قميص وهو قسمان أحدهما ان تقع الإجارة على عين كالإجارة على رعاية غنمه والثاني ان تقع على عمل في الذمة كخياطة قميص فإن كانت الإجارة في الذمة قال استأجرتك وألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب ولو اطلق وقال ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوما فالأولى الجواز للأصل وقال بعض الشافعية لا يصح لأنه لم يعين عاملا يخيط ولا محلا للخياطة فلا يرتفع الجهالة وليس بجيد لان الخياطة مدة معلومة أمر معلوم فصح العقد عليه ولأنه يصح أن تستأجر عينه للخياطة مدة شهر وإن يستأجر في الذمة لخياطة ثوب فجاز جمعهما إذا الجهالة إن حصلت في المجموع حصل في كل واحد وإذا استأجر عينه قال استأجرتك لتخيط هذا الثوب ولو قال لتخيط لي يوما أو شهرا جاز وهو قول أكثر الشافعية للأصل مسألة إذا استأجره لخياطة ثوب وجب ان يبين له الثوب إما بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة ويبين العمل فيه من خياطه قباء أو قميصا أو سراويل والطول والعرض ويبين نوع الخياطة أهي رومية أو فارسية إلا أن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه ولو دفع إلى خياط ثوبا وقال له إن كان يكفيني قميصا فاقطعه فقال الخياط هو كاف وقطعه فلم يكفه فعليه أرش القطع ولو قال انظر هذا الثوب هل يكفيني قميصا فقال الخياط نعم فقال اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يلزمه شئ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه انما اذن له في الأولى بشرط كفايته فإذا قطعه بدون شرطه كان ضامنا وفي المسألة الثانية اذن له في القطع ولم يشرطه بشئ فلا يجب عليه ضمان اقصى ما في الباب أنه
(٣٠١)