على قولين قال بعضهم بالقطع على ما قلناه ولم يثبتوا فيه خلافا وأثبت الأكثر منهم قولا اخر انه لا يجب القصاص وهو خطأ لان النبي صلى الله عليه وآله قال السلطان ولي من لا ولي له ثم اختلف هؤلاء في شيئين أحدهما في مأخذ القولين قال قوم وجه الوجوب انه مسلم معصوم الدم فوجب القصاص كغير اللقيط ووجه المنع انه لو وجب القصاص لوجب لعامة المسلمين كما يصرف ماله إليهم وفي المسلمين أطفال ومجانين ومهما كان في الورثة أطفال ومجانين لا يمكن استيفاء القصاص قبل البلوغ والإفاقة وأيضا لا بد من اجتماع الورثة على الاستيفاء واجتماع جميع المسلمين متعذر وقال بعضهم بناؤهما على أن المحكوم باسلامه يجري عليه احكام الاسلام أو يتوقف فيه إلى أن يعرب بالاسلام فان قلنا بالأول أوجبنا القصاص وان قلنا بالثاني فقد فات؟ الاعراب بقتله فلا يجري عليه حكم المسلمين قال والمأخذ الأول فاسد لان الاستحقاق ينسب إلى جهة الاسلام لا إلى آحاد المسلمين ولهذا لو اوصى من ليس له وارث خاص لجماعة من المسلمين لا يجعل ذلك وصية للورثة فهذان مأخذان للمسألة عند الشافعية وفرع بعضهم عليها ما إذا ثبت لرجل حق قصاص ولم يستوفه حتى مات وورثه المسلمون فعلى المأخذ الأول في بقاء القصاص القولان وعلى الثاني يبقى لا محالة وهذا لا يتأتى على مذهبنا لان المستحق لقصاصه وديته هو الامام خاصة ولو قتل اللقيط بعد البلوغ والاعراب بالاسلام اقتص له مع العمد واخذت الدية للامام مع الخطاء ويجري هنا الخلاف للشافعية على المأخذ الأول دون الثاني ولو قتل بعد البلوغ وقبل الاعراب جرى الخلاف على المأخذين ولكن الترتيب على ما قبل البلوغ ان منعنا القصاص ثم فهنا أولي وان أوجبناه فهنا وجهان لقدرته على اظهار ما هو عليه والاختلاف الثاني في كيفية قول المنع فعن جماعة منهم الفريطي والربيع انه غير منصوص عليه في المسألة بخصوصها لكن قال قايل ان اللقيط لا وارث له وروى الفريطي ان لا قصاص بقتل من لا وارث له فتناول اللقيط تناول العموم للخصوص وعن القفال تخريجه من أحد القولين في أن من قذف اللقيط بعد بلوغه لا يحد ويخرج من هذا مأخذ ثالث وهو دراء القصاص بشبهة الرق والكفر ثم الأصح من القولين عندهم وجوب القصاص بالاتفاق فإن كانت الجناية على طرف اللقيط فعلى المأخذ الأول يقطع وجوب القصاص لان الاستحقاق فيه للقيط وهو متعين لا للعامة وعلى المأخذ الثاني إذا فرعنا على قول المنع هناك يتوقف في قصاص الطرف فان بلغ واعرب بالاسلام تبينا وجوبه والا تبينا عدمه وعلى المأخذ الثالث يجري القولان بلا فرق وإذا كان الجاني على النفس أو الطرف كافرا رقيقا جري القولان على المأخذ الأول دون الثاني والثالث هذا ما يتعلق بوجوب القصاص مسألة: إما استيفاء القصاص إذا قلنا بالوجوب فقصاص النفس يستوفيه الامام لنفسه عندنا وللمسلمين عند العامة ان رأى المصلحة فيه وان رأى في اخذ المال عدل عنه إلى الدية مع رضي الجاني عندنا ومطلقا عند الشافعي ولو لم يجوز ذلك لاستحق هذا القصاص بالحدود المتحتمة وليس له العفو مجانا عندهم لأنه خلاف المصلحة المسلمين والحق لهم عند العامة واما قصاص الطرف فإن كان اللقيط بالغا عاقلا فالاستيفاء إليه وان لم يكن بالغا عاقلا بل انتفى عنه الوصفان أو أحدهما لم يكن للامام استيفاؤه لأنه قد يريد التشفي وقد يريد العفو فلا يفوت عليه قاله بعض الشافعية والأقوى عندي ان له الاستيفاء لأنه حق للمولى عليه فكان للولي استيفاؤه كحق المال وبه قال أبو حنيفة واحمد في إحدى الروايتين لأنه أحد نوعي القصاص فكان للامام استيفاؤه عن اللقيط كالقصاص في النفس وقال القفال له الاستيفاء في المجنون لأنه لا وقت معين ينتظر لافاقته والتأخير لا إلى غاية قريب من التفويت وهو بعيد عند الشافعية وابعد منه عند الشافعية قول بعضهم بجواز الاقتصاص حيث يجوز له الأرش لأنه أحد البدلين فله استيفاؤه كالثاني والمشهور عندهم الأول وعلى قول الشافعية بالمنع من استيفاء القصاص هل له اخذ أرش الجناية ينظر إن كان المجني عليه مجنونا فقيرا فله الاخذ لأنه محتاج وليس لزوال علته غاية تنتظر وإن كان صبيا غنيا لم يأخذه لأنه لا حاجة في الحال ولان زوال الصبوة له غاية منتظرة وإن كان مجنونا غنيا أو صبيا فقيرا فوجهان أحدهما جواز الاخذ لبعد الإفاقة في الصورة الأولى وقيام الحاجة في الثانية والثاني المنع لعدم الحاجة في الأولى وقرب الانتظار في الثانية والظاهر في الصورتين المنع واعتبار الجنون والفقر معا لجواز الاخذ وحيث قلنا لا يجوز اخذ الأرش أو لم نر المصلحة فيه فيحبس إلى أوان البلوغ والإفاقة وإذا جوزناه فاخذه ثم بلغ الصبي وافاق المجنون وأراد ان يرده أو يقبض فالوجه انه لا يمكن من ذلك وهو أحد وجهي الشافعية لان فعل الولي حال الصغر والجنون كفعل البالغ العاقل والثاني انه يمكن من ذلك والوجهان شبيهان بالخلاف فيما لو عفا الولي عن حق شفعة الصبي للمصلحة ثم بلغ وأراد اخذه والوجهان مبنيان على أن اخذ المال عفو كلي واسقاط للقصاص أم شبيه الحيلولة لتعذر استيفاء القصاص الواجب وقد يرجح التقدير الأول بان التضمين للحيلولة انما ينقدح إذا جاءت الحيلولة من قبل الجاني كما لو عيب الغايب المغصوب أو ابق العبد من يده وهنا لم يأت التعذر من قبله وأيضا لو كان الاخذ للحيلولة لجاز الاخذ فيما إذا كان المجني عليه صبيا غنيا وهذا الذي ذكرناه في اخذ الأرش للقيط آت في كل طفل يليه أبوه أو جده وقال بعض الشافعية ليس للوصي اخذه واستحسنه بعضهم على تقدير كونه اسقاط ولا يجوز الاسقاط الا لوال أو ولي إما إذا جوزناه للحيلولة جاز للوصي أيضا إذا عرفت هذا فكل موضع قلنا ينتظر البلوغ فان الجاني يحبس حتى يبلغ اللقيط فيستوفي لنفسه البحث الثالث في نسب اللقيط والنظر في أمرين الأول ان يكون المدعي واحدا مسألة كل صبي مجهول النسب سواء كان لقيطا أولا إذا ادعى بنوته حر مسلم الحق به لأنه أقر بنسب مجهول النسب يمكن ان يكون منه وليس في اقراره اضرار بغيره فيثبت اقراره وانما شرطنا الامكان لأنه إذا أقر بنسب مجهول من هو أكبر منه أو مثله أو أصغر منه بما لو تجر العادة بتولده عنه علم كذبه وأبطلنا اقراره وانما شرطنا ان لا يعود بالضرر على غيره لأنه إذا أقر بنسب عبد غيره لم يقبل اقراره لأنه يضر به لأنه يقدم في الإرث على المولى وقد عرفت فيما سبق شرايط الالحاق فإذا حصلت هنا ألحقناه بالمدعي والا فلا قال الشافعي ويستحب للحاكم ان يسأله عن سبب نسبه لئلا يكون ممن يعتقد ان الالتقاط والتربية يفيد النسب فإن لم يسأله فلا باس وقال مالك انه ان استلحقه الملتقط لم يلحق به لان الانسان لا ينبذ ولده ثم يلتقطه الا ان يكون ممن لا يعيش له ولد فيلحق به لأنه قد يفعل مثل ذلك تفالا ليعيش الولد ولا خلاف بين أهل العلم ان المدعي الحر المسلم يلحق نسب الولد به إذا أمكن منه فكذا في اللقيط لأنه أقر له بحق فأشبه ما لو أقر له بالمال ولان الاقرار محض نفع للطفل لاتصال نسبه والتزامه بتربيته وحضانته ولان إقامة البينة على النسب مما يعسر ولو لم نثبته بالاستلحاق لضاع كثير من الأنساب مسألة: لو ادعى أجنبي بنوته ووجدت شرايط الالحاق الحق به لما تقدم وينتزع اللقيط من يد الملتقط ويسلم إلى الأب لأنه لو ثبت انه أبوه فيكون أحق بولده في التربية والكفالة من الأجنبي كما لو قامت به بينة ولا فرق بين ان يكون المدعي لبنوته مسلما أو كافرا لان الكافر أقر بنسب مجهول النسب يمكن ان يكون منه وليس في اقراره اضرار بغيره فيثبت اقراره كالمسلم لاستوائهما في الجهات المثبتة للنسب وبه قال الشافعي واحمد وقال أبو ثور لا يلحق بالكافر لأنه محكوم باسلامه ولا نزاع فيه فانا نقول بموجبه ويلحقه به في النسب لا في الدين ولا حق له في حضانته ولان الذمي أقوى من العبد في ثبوت الفراش فإنه يثبت له بالنكاح والوطؤ في الملك وسيأتي الالحاق بالعبد إذا عرفت هذا فان
(٢٧٧)