الابراء عندهم واعترض بعض الشافعية بان الصلح يتضمن الرضا بالقليل ممن يجري الصلح معه أم على الاطلاق الأول مسلم والثاني ممنوع ولم يتضح لهم الجواب ولو أدى الضامن جميع الدين ولم يبرئه المضمون له من شئ منه لكن وهبه الدين بعد دفعه إليه فالأقرب ان له الرجوع وفيه للشافعية وجهان مبنيان على القولين كما لو وهب الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول وسيأتي إن شاء الله تعالى مسألة لو ضمن ذمي لذمي دينا عن مسلم ثم تصالحا على خمر فهل يبرء المسلم أم لا يحتمل البراءة لان المصالحة بين الذميين وان لا يبرء كما دفع الخمر بنفسه وفيه للشافعية وجهان فان قالوا بالأول ففي رجوع الضامن على المسلم وجهان ان اعتبروا بما أدى لم يرجع بشئ وان اعتبروا بما أسقط يرجع بالدين والوجه عندي ان المضمون عنه يؤدي أقل الأمرين من قيمة الخمر عند مستحليه ومن الدين الذي ضمنه مسألة لو ضمن الضامن ضامن اخر انتقل المال من ذمة الضامن الأول إلى ذمة الثاني وسقطت مطالبة المضمون له عن الأصيل والضامن الأول عند علمائنا وجماعة تقدم ذكرهم وقال أكثر العامة لا ينتقل بل يبقى الذمم الثلث مشتركة ويصح الضمان لان الحق ثابت في ذمة الضامن كما هو ثابت في ذمة الأصيل فإذا جاز ان يضمن عن الأصيل جاز ان يضمن عن الضامن لا يقال الضمان وثيقة على الحق فلا يجوز ان يكون له وثيقة كما لا يجوز ان يأخذ رهنا بالرهن لأنا نقول الفرق ان الضمان حق ثابت في الذمة والرهن حق متعلق بالعين والرهن لا يصح بحق متعلق بالعين فافترقا فان أدى الثاني فرجوعه على الضامن الأول كرجوع الضامن الأول على الأصيل فيراعى الاذن وعدمه وإذا لم يكن له الرجوع على الأول لم يثبت بأدائه الرجوع الأول على الأصيل لان الضامن انما يرجع بما أدى وغرم والضامن الأول لم يغرم شيئا فلا يكون له مطالبته بشئ ولو ثبت له الرجوع على الأول فرجع عليه كان للأول الرجوع على الأصيل إذا وجد شرط الرجوع ولو أراد الثاني ان يرجع على الأصيل ويترك الأول فإن كان الأصيل قد قال له اضمن عن ضامني ففي رجوعه عليه للشافعية وجهان كما لو قال الانسان أد ديني فأدى وليس هذا كقول القائل لغيره اقض دين فلان ففعل حيث لا يرجع على الامر لان الحق لم يتعلق بذمته وان لم يقل له اضمن عن ضامني فإن كان الحال بحيث لا يقتضي رجوع الأول على الأصيل لم يرجع الثاني عليه وإن كان يقتضيه فكذلك على أصح الوجهين عندهم لأنه لم يضمن عن الأصيل والوجه عندي انه ليس للثاني ان يرجع على الأصيل على كل تقدير الا أن يقول اضمن عن ضامني ولك الرجوع علي ولو ضمن الثاني عن الأصيل أيضا لم يصح الضمان عندنا ان ضمن للمضمون له إذ لا مطالبة للمضمون له فيكون في الحقيقة ضمان ما لم يجب ولا يتحقق سبب الوجوب وان ضمن للضامن فالأقوى الجواز لوجود سبب الوجوب وعند أكثر العامة يصح ضمان الثاني عن الأصيل لشغل ذمته وذمة الضامن الأول معا فتشارك الذمم الثلث في الشغل فحينئذ لا يرجع أحد الضامنين على الأخر وانما يرجع المؤدي على الأصيل ولو ضمن عن الأول والأصيل جميعا لم يصح ضمانه عن الأصيل عندنا وعندهم يصح فان أدى كان له ان يرجع على أيهما شاء وان يرجع بالبعض على هذا وبالبعض على ذاك ثم للأول الرجوع على الأصيل بما غرم إذا وجد شرط الرجوع مسألة لو كان لرجل على اثنين عشرة على كل واحد منهما خمسة فضمن كل واحد منهما صاحبه فان أجاز المضمون له الضمان لم يفد الضمان شيئا عندنا في باب المطالبة لأن الضمان عندنا ناقل فإذا ضمن كل واحد منهما الأخر فقد انتقل ما على كل واحد منهما إلى الأخر وكانا في الدين كما كانا قبل الضمان الا انه يستفاد بالضمان صيرورة المال الأصلي في ذمة كل واحد منهما منتقلا إلى ذمة الأخر ولا نقول إنه يبطل الضمان من أصله لأنه قد يستفاد منه فايدة وهي لو أدى أحد الضامنين عن مال الضمان بعضه ثم ابراءه صاحب الدين من الباقي لم يكن له الرجوع على المضمون عنه الا بما أداه وان لم يأذن لهما المضمون له بالضمان فضمنا فان رضي بضمان أحدهما خاصة كان الدينان معا عليه ولم يبق له مطالبة الأخر لكن الضامن يرجع على الأخر ان ضمن باذنه والا فلا وعند أكثر العامة يصح ضمان كل منهما عن صاحبه ويبقى كل الدين مشتركا في ذمتهما معا على ما هو أصلهم فلرب المال عندهم بان يطالبهما معا ومن شاء منهما بالعشرة فان أدى أحدهما جميع العشرة برئا معا وللمؤدي الرجوع بخمسة ان وجد شرط الرجوع وان أدى كل واحد منهما خمسة عما عليه فلا رجوع فان أديها عن الأخر فلكل واحد الرجوع على الأخر ويجئ خلاف التقاص وان أدى أحدهما خمسة ولم يؤد الأخر شيئا فان أداها عن نفسه بري المؤدي عما كان عليه وصاحبه عن ضمانه وبقي على صاحبه ما كان عليه والمؤدي ضامن له وان أداها عن صاحبه رجع عليه بالمغروم وبقي عليه ما كان عليه وصاحبه ضامن له وان أداها عنهما فلكل نصف حكمه وان أدى ولم يقصد شيئا فوجهان عندهم التقسيط عليهما لأنه لو عينه عن كل واحد منهما وقع فإذا اطلق اقتضى ان يكون بينهما لاستوائهما فيه وان يقال اصرفه إلى ما شئت كما لو أعتق عبده عن كفارته وكان عليه كفارتان كان له تعيين العتق عن أيتهما شاء وكذا في الزكاة المالين ومن فوائده ان يكون بنصيب أحدهما رهن فإذا قلنا له صرفه إلى ما شاء فصرفه إلى نصيبه انفك الرهن والا فلا لو اختلفا فقال المؤدى أديت عما علي فقال رب المال بل أديت عن صاحبك فالقول قول المؤدي مع يمينه وانما اختلفا لأنه قد يتعلق بهذا فوائد وإن كان قد يستحق المطالبة بالكل لأنه قد يكون ثمنا فإذا أفلس رجع في المبيع ويسقطا أيضا عن صاحبه فإذا حلف برئ عما كان عليه ولرب المال مطالبته بخمسة لأنه إن كان صادقا فالأصل باق عليه وإن كان كاذبا فالضمان باق وقال بعض الشافعية لا مطالبة له لأنه إما ان يطالب عن جهة الأصالة وقد حكم الشرع بتصديق المؤدي في البراءة عنها أو عن جهة الضمان وقد اعترف رب المال بأنه أدى عنها هذا حكم الأداء إما لو أبرأ رب الدين أحدهما عن جميع العشرة برئ أصلا وضمانا عندهم وبرئ الأخر عن الضمان دون الأصيل عندهم لان الدين عندهم لا يسقط عن المضمون عنه بسقوطه عن الضامن وعندنا يسقط ولو ابراء أحدهما عن خمسة فان ابراءه عن الأصيل برئ عنه وبرئ صاحبه عن ضمانه وبقى عليه ضمان ما على صاحبه وان أبرأ عن الضمان برء عنه وبقي عليه الأصيل وبقي على صاحبه الأصل والضمان وان ابراءه من الخمسة عن الجهتين جميعا سقط عنه نصف الأصل ونصف الضمان وسقط عن صاحبه نصف الضمان ويبقى عليه الأصل ونصف الضمان فيطالب بسبعة ونصف ويطالب المبرء عنه بخمسة وان لم ينو عند الابراء شيئا فيحمل على النصف أو يجبر ليصرف إلى ما شاء فيها الوجهان ولو قال المبرئ ما أبرأت عن الضمان وقال المبراء عنه بل عن الأصل فالقول قول المبرئ هذا كله على مذهب الشافعي وقد بينا مذهبنا في صدر المسألة مسألة لو كان على زيد عشرة فضمنها اثنان كل واحد منهما خمسة وضمن أحدهما عن الأخر وبالعكس فقد بينا انه بمنزلة عدم الضمان إذا أجاز المضمون له ضمانهما معا وعند أكثر العامة يصح ضمانهما معا فلرب المال عندهم مطالبة كل واحد منهما بالعشرة نصفها عن الأصيل ونصفها عن الضامن الأخر فان أدى أحدهما جميع العشرة رجع بالنصف على الأصيل وبالنصف على صاحبه وهل له الرجوع بالكل على الأصيل إذا كان لصاحبه الرجوع عليه ان غرم فيه الوجهان عندهم وان لم يؤد الا خمسة فان أداها عن الأصيل أو عن صاحبه أو عنهما ثبت له الرجوع بحسبه (بخمسة) مسألة لو باع شيئا وضمن ضامن الثمن فهلك المبيع قبل القبض أو وجد به عيب فرده أو ضمن الصداق فارتدت المرأة قبل الدخول أو فسخت بعيب فإن كان ذلك قبل ان يؤدي الضامن برئ الضامن والأصيل وإن كان بعده فإن كان بحيث ثبت له الرجوع رجع بالمغروم على الأصيل ورجع الأصيل على رب المال بما أخذ إن كان هالكا وإن كان باقيا رد عينه وهل له امساكه ورد بدله فيه خلاف مأخوذ مما إذا رد المبيع بعيب وعين الثمن عند البايع فأراد امساكه ورد مثله والأصح المنع وبه قال الشافعي ولو كان الذي دفعه الضامن
(٩٦)