وصاحب العلو لان ملك الهواء يستتبع ملك القرار والشركة فيه ولو تنازعا في السقف الاعلى للغرفة فهو لصاحب الغرفة لاختصاصه بالانتفاع به دون صاحب السفل الفصل الخامس في اللواحق مسألة قد بينا ان الصلح يصح عن الانكار كما يصح عن الاقرار وخالف فيه الشافعي ومنع من صحة الصلح عن الانكار وقد سلف دليله وضعفه وربما احتج بعضهم بقوله (ع) الصلح بين المسلمين جايز الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا وهذا الصلح قد أحل الحرام لأنه لم يكن له ان يأخذ من مال المدعى عليه وقد حل بالصلح وهو ضعيف لان المعنى الذي ذكروه آت في الصلح بمعنى البيع لأنه يحل لكل واحد منهما ما كان محرما عليه وكذا الصلح بمعنى الهبة فإنه يحل للموهوب له ما كان محرما عليه والاسقاط يحل له ترك أداء ما كان واجبا عليه ولان الصلح الصحيح هو الذي يحلل ما كان حراما لولاه كغيره من العقود والصلح الفاسد لا يحل به الحرام والمراد المنع من صلح يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه بعد الصلح على تحريمه كما لو صالحه على استرقاق حر أو شرب خمر أو إذا كان المدعي كاذبا في دعواه أو المنكر في انكاره ويتوصل الكاذب إلى اخذ المال بالصلح من غير رضاء الأخر باطنا فإنه صلح باطل ولأنه يباح لمن له حق يجحده غريمه ان يأخذ من ماله بقدره أو دونه وإذا حل له ذلك من غير اختياره ولأعلمه فلان يحل برضاه وبذله أولي ولأنه يحل مع اعتراف الغريم فلان يحل به مع جحده وعجزه عن الوصول إلى حقه الا بذلك أولي ولان المدعي هنا يأخذ عوض حقه الثابت له والمدعى عليه يدفعه لدفع الشر عنه وقطع الخصومة وليس في الشرع ما يدل على تحريم ذلك في موضع ولان الصلح مع الانكار يصح مع الأجنبي فصح مع الغريم كالصلح مع الاقرار بل هو أولي لأنه إذا صح مع الأجنبي مع غناه فلئن يصح مع الخصم مع حاجته إليه أولي واحتجاجهم بأنه معاوضة قلنا إن أردتم انه معاوضة في حقهما فهو ممنوع وان أردتم انه معاوضة في حق أحدهما فمسلم لان المدعي يأخذ عوض حقه من المنكر لعلمه بثبوت حقه عنده فهو معاوضة في حقه والمنكر يعتقد انه يدفع المال المدفوع لدفع الخصومة والمنازعة وتخليصه من شر المدعي فهو ابراء في حقه وغير ممتنع ثبوت المعاوضة في حق أحد المتعاقدين دون الأخر كما لو اشترى عبدا شهد بحريته فإنه يصح ويكون معاوضة في حق البايع واستنقاذا في حق المشترى إذا ثبت هذا فإنما يصح الصلح لو اعتقد المدعي حقية دعواه والمدعى عليه يعتقد براءة ذمته وانه لا شئ عليه للمدعي فيدفع إلى المدعي شيئا ليدفع عنه اليمين ويقطع الخصومة ويصون نفسه عن التبذل وحضور مجلس الحكم فان أرباب النفوس الشريفة والمروات والمناصب الجليلة يترفعون عن ذلك ويصعب عليهم الحضور للمنازعة ويرون دفع ذلك عنهم من أعظم مصالحهم والشرع لا يمنع من وقاية النفس وصيانتها ودفع الشر (السوء) عنها ببذل الأموال والمدعي يأخذ ذلك عوضا عن حقه الثابت له في زعمه ولا يمنعه الشرع من ذلك أيضا ولا فرق بين ان يكون المأخوذ من جنس حقه أو من غير جنسه ولا بين ان يكون بقدر حقه أو أقل فان اخذ من جنس حقه بقدره فهو مستوف لحقه وان أخذ دونه فقد استوفى بعض حقه وترك البعض وان اخذ من غير جنس حقه فقد أخذ عوضه فيجوز ان يأخذ أزيد حينئذ وان اخذ من جنس حقه أزيد فالأقرب الجواز ومنع منه بعض الجمهور بناء على أن الزايد لا عوض له فيكون ظالما وهو غلط إذا رضي الدافع باطنا وظاهرا وقد سبق مسألة إذا ادعى عليه غيره مال الأمانة فأنكر أو اعترف ثم صالح عنه إما بجنسه أو بغير جنسه جاز كالمضمون عملا بعموم قوله تعالى والصلح خير وقوله عليه السلام الصلح جايز بين المسلمين فلو ادعى على رجل وديعة أو قراضا أو لقطة أو غيرها من الأمانات أو ادعى تفريطا في وديعة أو في قراض أو غير ذلك فصالح جاز لما تقدم مسألة قد ذكرنا انه يصح الصلح من الأجنبي عن المنكر أو المعترف سواء اعترف الأجنبي للمدعي بصحة دعواه أو لم يعترف وسواء كان باذنه أو بغير اذنه وقال أصحاب الشافعي ان ما يصح إذا اعترف للمدعي بصحة دعواه وهو بناء على أن الصلح عن الانكار باطل وقد بينا بطلانه ثم إن كان الصلح عن دين صح سواء كان بإذن المنكر أو بغير اذنه لان قضاء الدين عن غيره جايز باذنه وبغير اذنه فان عليا (ع) وأبا قتادة قضيا عن الميت فاجازه النبي صلى الله عليه وآله وإن كان الصلح عن عين بإذن المنكر فهو كالصلح منه لان الوكيل يقوم مقام الموكل وإن كان بغير اذنه فهو اقتداء للمنكر من الخصومة واعتياض للمدعى وهو جايز في الموضعين وإذا صالح عنه بغير اذنه لم يرجع عليه بشئ لأنه أدي عنه ما لا يلزمه أداؤه ولأنه لم يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدعى فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره ولأنه متبرع بأدائه غير ما يجب عليه وقال بعض الحنابلة يرجع ويجعله كالمدعي وهو غلط لأنه يجعله كالمدعى في الدعوى على المنكر إما انه يجب له الرجوع بما اداءه فلا وجه له أصلا وأكثر ما يجب لمن قضى دين غيره ان يقوم مقام صاحب الدين وصاحب الدين هنا لم يجب له حق ولا يلزم الأداء إليه ولا يثبت له أكثر من جواز الدعوى فكذلك هنا ويشترط في جواز الدعوى ان يعلم صدق المدعى فإن لم يعلم لم يجز له دعوى شئ لا يعلم ثبوته وإذا صالح عنه باذنه فهو وكيله والتوكيل في ذلك جايز ثم إن أدي عنه باذنه رجع عليه وهذا قول الشافعي وان أدي عنه بغير اذنه متبرعا لم يرجع بشئ وان قضاه محتسبا بالرجوع احتمل الرجوع لأنه قد وجب عليه أداؤه بعقد الصلح بخلاف ما إذا صالح وقضى بغير اذنه فإنه قضى ما لا يجب على المنكر قضاؤه مسألة إذا صالحه على سكنى دار أو خدمة عبد ونحوه من المنافع المتعلقة بالأعيان صح بشرط ضبط المدة ولا يكون ذلك اجارة بل عقدا مستقلا بنفسه خلافا للشافعي فان تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شئ من المنفعة انفسخ الصلح ورجع بما صالح عنه وان تلف بعد استيفاء بعض المنفعة انفسخ فيما بقي من المدة ورجع بقسط ما بقي ولو صالحه على أن يزوجه جاريته لم يصح لان البضع لا يقع في مقابله شئ وقال بعض الجمهور يصح ويكون المصالح عنه صداقها وليس بشئ فان انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه فان طالب قبل الدخول رجع بنصفه وإن كان المعترف امرأة فصالحت المدعي على أن تزوجه نفسها على أن يكون بضعها عوضا لم يصح خلافا لبعض الحنابلة وكذا لو كان الصلح عن عيب في مبيعها فصالحته على نكاحها قال فان زال العيب رجعت بأرشه لان ذلك صداقها فرجعت به لا بمهر مثلها وان لم يزل العيب لكن انفسخ نكاحها بما يسقط صداقها ورجع عليها بأرشه وهو مبني على جواز جعل البضع عوضا في الصلح مسألة قد بينا انه يصح الصلح عن الدين ببعضه مع الرضا الباطن لان كعبا تقاضى ابن أبي حدود دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إليهما ثم نادى يا كعب قال لبيك فأشار إليه ان ضع الشطر من دينك قال قد فعلت يا رسول الله وفي الذي أصيب في حديقته فمر به النبي صلى الله عليه وآله وهو ملزم فأشار إلى غرمائه بالنصف فاخذوا منه وهذا يدل على تسويغه مع الرضاء الباطن ولو قال على أن توفيني ما بقي صح أيضا عندنا ومنعه الحنابلة لأنه ما أبرأه عن بعض الحق الا ليوفيه بقيته فكأنه عاوض بعض حقه ببعض وهو ممنوع ولو كان له في يد غيره عينا فقال قد وهبتك نصفها فاعطني نصفها صح واعتبر في ذلك شروط الهبة ولو أخرجه مخرج الشرط صح عندنا خلافا للشافعي واحمد لأنه إذا شرط الهبة في الوفاء جعل الهبة عوضا عن الوفاء فكأنه عارض بعض حقه ببعض وهذا ليس بشئ ولو قال صالحني بنصف دينك علي أو بنصف دارك هذه فيقول صالحتك بذلك صح عندنا وهو قول أكثر
(١٩٢)