مضمون بالدين وان لم يبق مشغولا بالدين الا ترى انه محبوس به فيهلك ذلك النصف الدين المؤدي حتى يجب على المرتهن رد ذلك النصف الذي اخذ لأنه بين ان الاستيفاء وقع مكررا لما مر من أنه يصير مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق ثم يهلك النصف بما فيه وهو ثلث النصف فلهذا قلنا بأنها تهلك بثلثي الدين إذ نصف الدين مع ثلث النصف يكون ثلثي الدين ولو زاد أمة قيمتها خمسمائة فولدت الزيادة ولدا ثم ولدت الجارية ولدا يقسم الدين أولا بين نصف الجارية وبين الزيادة فما أصاب الزيادة يقسم بينها وبين ولدها على قدر قيمتها وما أصاب نصف الجارية يقسم بينها وبين ولدها ولو وجد المرتهن نصف المقبوض رصاصا أو طيوفا؟ يكون الزيادة رهنا تبعا للأمة يقسم الدين بينهما نصفين لان الاستيفاء لم يصح لأنهما ليسا من جنس الدراهم فصح الاستيفاء ولو رهن أمتين قيمة كل واحد الف فولدت إحديهما ولدا قيمته الف فماتت الام وبقي الولد يقسم الدين بين الأمتين ثم ما في الام يقسم بينها وبين ولدها نصفين فسقط بهلاك الام ربع الدين وبقي في الولد ربعه وفي الأمة الحية نصفه وهذا مبني على أصول ممنوعة. مسألة: لو رهن عبد يساوي ألفا بألف ثم أعطاه عبدا اخر يساوي ألفا مكان الأول خرج الأول عن الرهن بالتقابل وقال أبو حنيفة يكون الأول رهنا حتى يرده على الراهن والمرتهن في الأخر امين حتى يجعله مكان الأول لأن الضمان في الأول متعلق بالقبض والدين فيبقى ما بقي القبض والدين وإذا لم يوجد الرد بقي الأول رهنا في يده ومن ضرورة بقائه انه لا يثبت الثاني لان الراهن لم يرض بجعلها رهنا وانما رضي بأحدهما فإذا لم يخرج الأول من ضمان الرهن لم يتعلق بالثاني ضمان فإذا رد الأول انتقض الرهن فيه وقام الثاني مقام الأول ثم قيل ما لم يقبض الثاني قبضا مستأنفا لم يصر مضمونا لان القبض الأول لم يوجب الضمان لان يد المرتهن عليه يد أمانة ويد الراهن يد أمانة ويد المرتهن يد استيفاء وضمان فلا ينوب الأدنى عن الاعلى كمن له على اخر جياد فاستوفى زيوفا ظنها جيادا ثم علم بالزيادة وطالبه بالجياد فاخذها فالجياد أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض وقيل لا يشترط تجديد القبض لان يد الأمانة تنوب عن يد المرتهن لان الرهن تبرع كالهبة وقبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة ولان عين الهبة أمانة والقبض يرد على العين فينوب قبض الأمانة عن قبض العين. مسألة: تصرفات الراهن في الرهن ببيع أو هبة أو اجارة لا يقع باطلة من أصلها بل لو أجازها المرتهن لزمت فتقع صحيحة ولو فسخها المرتهن بطلت ولو لم يعلم حتى قضى الراهن الدين وأبرأه المرتهن احتمل بقاؤها فيكون لازمة للراهن ولو رهن الراهن الرهن عند آخر فان قلنا بالبطلان فلا بحث والا بقي موقوفا على اجازة المرتهن الأول فان اجازه احتمل بطلان رهنه فيكون رهنا بالدين الثاني وبقاء صحته فلو بيع قدم دين الثاني فان فضل شئ فان قلنا ببطلان الأول كان جميع الغرماء أسوة فيه والا اختص به المرتهن الأول. مسألة: إذا أبرء المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه له ثم هلك الرهن في يد المرتهن ولم يحدث منعا بعد الابراء هلك بغير شئ ولا ضمان على المرتهن عندنا وبه قال أبو حنيفة استحسانا وقال زفر يضمن قيمته للراهن وهو القياس عندهم لان القبض وقع مضمونا فيبقى الضمان ما بقي القبض ونحن نمنع الضمان ولو ارتهنت امرأة رهنا بصداقها ثم أبرأته منه أو وهبته له أو ارتدت قبل الدخول أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها هلك بغير شئ ولم يضمن شيئا لسقوط الصداق فصار كالابراء عن الدين ولو استوفى المرتهن الدين بايفاء الراهن أو بايفاء متطوع ثم هلك الرهن في يده يهلك بالدين ويجب عليه رد ما استوفى إلى من استوفي منه وهو من عليه الدين أو المتطوع عنده بخلاف الابراء والفرق ان الابراء يسقط الدين لوجود المسقط وبالاستيفاء لا يسقط الدين بل يتقرر لكنه يتعذر المطالبة لخلوها عن الفائدة لأنه يعقبه مطالبة مثله فإذا هلك يتقرر الاستيفاء الأول فنبين انه استوفى مرتين فينتقض الاستيفاء الثاني وكذا إذا أحال الراهن المرتهن بالدين على غيره ثم هلك الرهن بطلت الحوالة عنده ويهلك بالدين لان بالحوالة لا يسقط الدين عنده ولكن ذمة المحال عليه يقوم مقام ذمة المحيل ولهذا يعود إلى ذمة المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا وكذا لو تصادفا على أن لا دين ثم هلك الرهن يهلك بالدين لان الرهن عنده مضمون بالدين أو بجهته عند توهم الوجود كما في الدين الموجود وقد بقيت الجهة لأنه يحتمل ان يتصادفا على قيام الدين بعد ان تصادقا على أن لا دين بخلاف الابراء لأنه مسقط ولو دفع مهر غيره تطوعا فطلقت المراة قبل الوطي رجع المتطوع بنصف ما أدي عنده وكذا لو اشترى عبدا وتطوع رجل بأداء ثمنه ثم رد العبد بعيب رجع المتطوع بما أدي عنده وقال زفر يرجع الزوج والمشتري بذلك على القابض لان المتطوع قضى عنهما فصار كقضائهما بامرهما ولو رهن شيئا عند اثنين فقال أحدهما ارتهنته انا وصاحبي بمائة وأقام البينة وأنكر المرتهن الأخر والرهن في يدهما وأنكر الراهن الرهن يقضي للمدعي برهن نصفه ويوضع على يده ويد عدل فإذا قضى الراهن نصيب المدعي اخذ الرهن وبه قال محمد بن الحسن وقال أبو يوسف وهو مروي عن أبي حنيفة لا يقضي بالراهن لواحد منهما ويرد الرهن على الراهن لأنه لو صح في النصف لكان مشاعا ورهن المشاع عنده باطل وقد مر البحث فيه. المقصد الثالث: في التفليس وفيه فصول. الأول: المفلس من ذهب خيار ماله وبقي دونه وصار ماله فلوسا زيوفا والافلاس مأخوذ من الفلوس وقولهم أفلس الرجل كقولهم أخبث اي صار أصحابه خبثاء لان ماله صار فلوسا وزيوفا ولم يبق له مال خطير وكقولهم أذل الرجل اي صار إلى حالة يذل فيها وكذا أفلس اي صار إلى حالة يقال فيها ليس معه فلس أو يقال لم يبق معه الا الفلوس أو كقولهم أسهل الرجل واحزن إذا وصل إلى السهل والحزن لأنه انتهى امره وما صرفه إلى الفلوس والأصل ان المفلس في العرف هو الذي لا مال له ولا ما يدفع به حاجته ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وآله أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال ليس ذلك المفلس ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة حسناته أمثال الجبال ويأتي وقد ظلم هذا واخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فان بقي عليه شئ اخذ من سيئاتهم فيرد عليه ثم صل في النار هذا في عرف اللغة واما في الشرع فقيل من عليه الديون لا يفي بها ماله وشمل من لا مال له البتة ومن له مال قاصر سمي مفلسا وإن كان ذا مال لان ماله يستحق الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم وقد دل عليه تفسير النبي صلى الله عليه وآله مفلس الآخرة فإنه أخبر ان له حسنات كالجبال لكنها دون ما عليه فقسمت بين الغرماء فبقي لا حسنة له ومثل هذا الرجل يجوز للحاكم الحجر عليه بشرايط تأتي وهذا التعريف شامل لمن قصر ماله ولا مال له فيحجر عليه في المتجدد باحتطاب؟ وشبهه والفلس سبب في الحجر بشروط خمسة المديونية وثبوت الديون عند الحاكم وحلولها وقصور ما في يده عنها والتماس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه مسألة: إذا حجر الحاكم عليه ثبت حكمان تعلق الدين بماله وان تجددت المالية بعد الحجر حتى لا ينفذ تصرفه فيه بما يضر الغرماء ولا يزاحمها الديون الحادثة والثاني ان من وجد عند المفلس عين ماله كان أحق به من غيره ولو مات مفلسا قبل ان يحجر عليه تعلقت الديون بالتركة لا فرق بين المفلس وغيره وهل يختص الغريم بعين ماله الأقرب ان له الرجوع إن كان ما تركه المفلس يفي بالديون وان قصر فلا وقال أبو حنيفة ليس للحاكم ان يحجر عليه فان أدي اجتهاده إلى الحجر عليه وفعل وأمضاه حاكم ثبت الحجر وليس له التصرف في ماله الا ان المبيع الذي يكون في يده يكون أسوة الغرماء وليس للبايع الرجوع فيه وهو خطأ فان النبي صلى الله عليه وآله حجر على معاذ قال عبد الرحمان بن كعب كان معاذ بن جبل من أفضل شباب قومه لم يكن يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين فكلم النبي صلى الله عليه وآله غرمائه فلو ترك أحد من أجل أحد لترك معاذ من أجل النبي صلى الله عليه وآله
(٥٠)