وإذا استأجر لحمل الحديد لم يحمل القطن وبالعكس وإذا استأجر دكانا لصنعة فله أن يباشرها وما دونها في الضرر ويساويها دون ما هو من فوقها مسألة إذا استأجر لزرع الحنطة فإن أراد زرع ما هو أكثر ضررا لم يجز له ذلك وللموجر منعه فإن تعدى فزرع الذرة أو الأرز اللذين هما أضر من الحنطة ولم يتخاصما حتى انقضت المدة وحصد الذرة تخير المالك بين ان يأخذ المسمى وأرش النقصان الزايد على زراعة الحنطة بزراعة الذرة وبين أن يأخذه أجرة المثل لزراعة الذرة وبه قال الشافعي قال المزني والأول أولي واختلف أصحاب الشافعي على طريقين أحدهما ان في المسألة قولين وفي كيفيتها طريقان أظهرهما عندهم ان أحد القولين وجوب الأجرة المثل لأنه عدل عن المستحق إلى غيره فأشبه ما إذا زرع أرضا أخرى لأنه استوفى غير ما قعد عليه فوجبت عليه اجرته فكان كما لو استأجر أرضا فزرع غيرها والثاني انه يستحق الأجرة المسماة واجرة ما زاد على ما سماه لأنه استحق منفعة الأرض مقدرة فاستوفاها مع غيرها فوجب عليه اجرة المسماة وعوض الزيادة كمن اشترى خمسة أقفزة من صبرة واستوفي أكثر من ثمنها أو اكترى مركبا إلى موضع فجاوزه وتفارق الأرض الأخرى لأنه استوفي غير المنفعة المعقود عليها وفي مسئلتنا استوفى المنفعة المعقود عليها وزيادة الطريق الثاني ان أحد القولين وجوب المسمى وبدل نقصان الذرة والثاني التخيير لان للمسألة شبها بزراعة الغاصب من حيث إنه زرع ما لم يستحقه موجبها أجرة المثل وشبها بما إذا استأجر دابة إلى موضع وجاوزه من حيث إنه استوفى المستحق وزاد في الضرر وموجبها المسمى وبذل المثل لما زاد فخيرناه بينهما أيضا فإن المكرى استحق اجرة الذرة والمكترى استحق منفعة زراعة الحنطة وقد فاتت بمضي المدة فاما ان يأخذ المؤجر ما يستحق ويرد ما اخذ واما ان يتقاصا ويأخذ الزيادة ومثل هذا ما قاله الشافعي في قتل العمد ان الولي يتخير بين القصاص بالدية لان القتل اخذ شبها من أصلين وهو انه قصد الاتلاف فاستحق العقوبة وانه حصل الاتلاف وذلك موجب الدية وكذلك قال في نذر اللجاج فإنه مخير بين الوفاء به والكفارة لأنه اخذ شبها من نذر البر واليمين وذكر الذاهبون إلى هذه الطريقة للقولين هكذا مأخذين أحدهما فرقوهما من القولين فيما إذا تصرف الغاصب في الدراهم المغصوبة وربح فعلى أحدهما أن يأخذ المالك مثل دراهمه وعلى الثاني يتخير بينه وبين ان يأخذ الحاصل بربحه والثاني بعضهم قال الرجوع إلى أجرة المثل مبني على أن البايع إذا تلف المبيع قبل القبض ينفسخ العقد ويقدر كأن العقد لم يكن والتخيير مبني على أن المبيع لا ينفسخ بل يتخير المشتري بين أن يفسخ ويسترد الثمن وبين أن يجيز ويرجع على البايع بالقيمة وهذا البناء ليس بواضح عندهم لان المؤجر هو الذي يقع في مرتبة البايع ولم يوجد منه اتلاف وإنما المستأجر فوق المنفعة المستحقة على نفسه فكان ذلك باتلاف المشتري أشبه والطريق الثاني في أصل المسألة القطع بالتخيير وهو أوفق لظاهر النص من الشافعية هذا إذا تخاصما بعد انقضاء المدة وحصاد الذرة واما إذا تخاصما في ابتداء قصد زراعة الذرة منعناه منها وإن تخاصما بعد الزراعة وقبل الحصاد فللمالك قلعها وإذا قلع فإن تمكن من زراعة الحنطة زرعها والا لم يزرع وعليه الأجرة لجميع المدة لأنه الذي فوت نفسه مقصود العقد ثم إن لم تمض مدة يتأثر بها الأرض فذاك وإن مضت فالمستحق أجرة المثل أم قسطها من المسمى وزيادة للنقصان أم يتخير بينهما فيه ما تقدم من الطرق وهي جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها فاسكنها الحدادين والقصارين أو استأجر دابة ليحمل عليها قطنا فحمل بقدره حديدا أو استأجر غرفة ليطرح فيها مائة من الحنطة فابدلها بالحديد وكذا كل صورة لا يتميز فيها المستحق عما زاد واما ان يتميز كما إذا استأجر دابة لحمل خمسين رطلا فحملها مائة رطل أو استأجرها إلى موضع فتجاوزه إلى اخر وجب المسمى وأجرة المثل ما زاد ولو عدل إلى الجنس المشروط إلى غيره كما إذا استأجر للزرع فغرس أو بني فالواجب أجرة المثل وبه قال أكثر الشافعية ومنهم من طرد الخلاف فيه تنبيه قولنا فيما إذا عين زرع الحنطة فزرع الذرة ان المالك يتخير بين اجرة مثل الذرة وبين المسمى مع أرش نقص الأرض يسبق إلى الفهم منه ما ينقص من قيمة الأرض وقلنا تارة بدل ما ينقص من الأرض انه يأخذ المسمى وأجرة المثل لما زاد والمراد هنا هو الثاني وقولنا نقص الأرض يحمل على الأجرة الزايدة فيأخذ مع المسمى بدل المنفعة التي استوفاها فوق المستحق وبدل المنفعة الأجرة فليحمل نقص الأرض على الضرر الذي لحقها بما استوفاه من المنفعة وأرشه جزء من اجرة ما استوفاه وهو تفاوت ما بينهما وبين اجرة المنفعة المستحقة مثلا اجرة مثلها للحنطة خمسون والذرة سبعون والمسمى أربعون يأخذ الأربعين وتفاوت ما بين الأجرتين وهو عشرون وإنما حملنا نقص الأرض على ما قلناه لان رقية الأرض لا تكاد تنقص قيمتها بالزرع وإن استقر ضررها النوع ج الدواب منافع الدواب متعددة كالركوب والحمل والاستعمال فالأبحاث هنا ثلاثة الأول الركوب فإذا استأجر دابة للركوب صح وقد أجمع أهل العلم كافة على جواز استيجار الدواب للركوب إلى مكة والى غيرها قال الله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها ولم يفرض بين المملوكة والمستأجرة وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ان يحج ويكتري ولان الحاجة شديدة إلى السفر والضرورة داعية للناس إليه وقد فرض الله عليهم الحج وأخبر بأنه يأتون رجالا وعلى ضامر يأتين من كل فج عميق وليس لكل أحد بهيمة يركبها ولا يتمكن من معاناتها أو القيام بما يحتاج إليه من الرعي والعلف والسقي والشد عليها والحل عنها فدعت الضرورة إلى استيجارها ولا نعلم فيه خلافا مسألة إذا استأجر دابة للركوب وجب معرفة الراكب لأنه أحد نوعي ما وقعت المعاوضة عليه فتجب معرفته كالبيع فيجب ان يعرف موجر الدابة راكبها بالمشاهدة لاختلاف الأغراض في الراكب لان بعضهم ثقيل وبعضهم خفيف ويختلفون أيضا بالضخامة والنحافة وكثرة الحركات وشدتها وقلتها وكثرة السكنات والوصف لا يضبط ذلك كله وهو قول أكثر الشافعية ومنهم من اكتفى بالأوصاف الرافعة للجهالة فيصف الغايب بالطول أو القصر والضخامة والنحافة وسرعة الحركة وبطؤها وخفة الحركة وثقلها إلى غير ذلك ويذكر وزنه تحقيقا وقال بعضهم يذكر صفته في الضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا والأصل في ذلك ان نقول إن أمكن الوصف التام القايم مقام المشاهدة كفى ذكره عنها والا فلا وقال مالك يجوز اطلاق الراكب لان أجسام الناس متقاربة في الغالب مسألة إن كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه لم يحتج إلى ذكر ما يركب عليه لكن المؤجر يركبه على ما شاء ويجب في توطينها؟ ما جرت العادة به في مثلها فإن كان المركوب فرسا وطأه بالسرج واللجام وإن كان بغلا أو حمارا فبالاكاف والبرذعة وإن كان بعيرا فبالحداجة والقتب والزمام الذي يقاد به البعير والبرة التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها ونحو ذلك لان ذلك مقتضي العرف مع الاطلاق وإن عين غير ذلك لزم مثل ان يشترط البرذعة على الفرس والسرج على البغل أو الحمار وإن كان يركب على رحل له أو فوق زاملة أو في محمل أو عمارية في الإبل أو في غير الإبل وأراد الركوب على سرج أو أكاف وجب ذكره فيجب ان يعرف المؤجر هذا الآلات فان شاهدها كفى والا حمل على المعروف المطرد بينهم فإن كانت سروجهم ومحاملهم وما في معناها على قدر وتقطيع لا يختلف كثيرا ولا يتفاحش التفاوت فيه كفى الاطلاق وحمل على المعهود وإن لم يكن لهم معهود مطرد فلا بد من ذكر وزن السرج والاكاف والزاملة ووصفها وهو قول بعض الشافعية ولم يشترط أكثرهم وزن السرج والاكاف لقلة التفاوت بينهما ولهم في العمارية والمحمل ثلاثة وجوه أحدها انه لا يصح العقد مع الاطلاق ولابد من مشاهدتهما لان الغرض يختلف بسعتهما وضيقهما وذلك مما لا يضبط بالوصف والثاني انه إذا كانت المحامل بغدادية خفافا كفى فيه الوصف لمقاربة بعضها ببعض وإن كانت خراسانية ثقالا فلا بد من مشاهدتها
(٣٠٨)