بينة المشتري على الاقرار بالقبض فقد قامت بينة البايع على التكذيب بالقبض فيتعارضان فرجع إلى الأصل وان قامت البينة على اقراره بالقبض فقد قامت على صاحبه كذبه فيبطل حكم الاقرار ويبقى الثمن على المشتري مسألة قد ذكرنا ان من شرط صحة الاقرار تعيين المقر له فلو قال لانسان عندي كذا أو لواحد من بني ادم أو لواحد من خلق الله تعالى أو لواحد من أهل البلد احتمل البطلان لعدم التعيين فلا يطالب به وللشافعية وجهان مبنيان على أنه إذا أقر لمعين بشئ فكذبه المقر له هل يخرج من يده ان قلنا نعم لأنه مال ضايع فكذا هنا ويصح الاقرار ويكون معتبرا ويخرجه الحاكم من يده ويحفظه من صاحبه وان قلنا لا لم يصح هذا الاقرار والأقرب عندي القبول وصحة هذا الاقرار ثم للحاكم انتزاعه من يده وابقاؤه في يده فعلى قولنا بالصحة لو جاء واحد وقال انا الذي أردتني ولي عليك الف فالقول قول المقر مع يمينه في نفي الإرادة ونفي الألف ومن أبطل هذا الاقرار فرق بينه وبين قوله غصبت هذا من أحد هذين الرجلين أو هؤلاء الثلاثة حيث يعتبر لأنه إذا قال هو لاحد هذين فله مدع وطالب فلا يبقى في يده مع قيام الطالب واعترافه بأنه ليس له واما إذا قال لواحد من بني آدم فلا طالب له ويبقى في يده والوجه ما قلناه من عدم اشتراط تعيينه والقائلون به لا يشترطون التعيين من كل وجه بل إن يكون معينا ضرب تعيين يتوقع من الدعوى والطلب البحث الرابع في المقر به مسألة يشترط في المقر به ان يكون مستحقا إما بان يكون مالا مملوكا أو بان يكون حقا تصح المطالبة به كشفعة وحد قذف وقصاص وغير ذلك من الحقوق الشرعية كاستطراق في درب واجراء ماء في نهر واجراء ماء ميزاب إلى ملك وحق طرح خشب على حايط أو بان يكون نسبا ولو أقر بما لا يصح تملكه مطلقا كالأبوال والعذرات وجميع الفضلات لم يصح وكان الاقرار (لغوا) لاغيا لا يجب به شئ ولو أقر بما يتموله أهل الذمة كالخمر والخنزير للمسلم لم يصح ويصح للذمي لان المسلم يضمنه بقيمته عند مستحليه لو أتلفه عليهم وكانوا مستترين به مسألة يشترط في القضاء والحكم بالاقرار بالملكية لمن أقر له كون المقر به تحب يد المقر وتصرفه فلو أقر بما ليس في يده بل في يد الغير كعبد في يد زيد أقر به لغيره لم يحكم بثبوت الملكية في العبد للمقر له بمجرد الاقرار بل يكون ذلك دعوى أو شهادة ولا يلغو الاقرار من كل وجه بل لو حصل المقر به في يده بملكية ظاهرة ساعة من الزمان أمر بتسليمه إلى المقر له فلو قال العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ثم ملك العبد ظاهرا أمر ببيعه في دين عمرو ولو أقر بحرية عبد في يد زيد لم يقبل منه أو شهد به فردت شهادته لم يحكم بحريته في الحال فإذا أقدم على شرائه من زيد صح تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو البايع صاحب اليد بخلاف ما إذا قال فلانة أختي من الرضاع ثم أراد ان ينكحها لم يمكن منه لان في الشراء يحصل غرض استنقاذه من أسر الرق وهذا الغرض لا يوجد في النكاح للاستمتاع بفرج اعترف بأنه حرام عليه ثم إذا اشترى العبد حكم بحريته وامر برفع يره عنه عملا باقراره مسألة إذا كان صورة اقراره ان عبد زيد حر الأصل أو انه أعتق قبل ان اشتريه فإذا اشتراه فهو فداء من جهته اجماعا فإذا مات العبد وقد اكتسب مالا ولا وارث له من الأنساب فالمال للامام وليس للمشتري ان يأخذ منه شيئا لأنه بتقدير صدقه لا يكون المال للبايع حتى يأخذ منه عوض ما دفعه إليه من الثمن ولو مات العبد قبل ان يقبضه المشتري لم يكن للبايع ان يطالبه بالثمن لأنه لا حرية في زعمه والمبيع قد تلف قبل قبضه بطل البيع مسألة لو كانت صيغة الاقرار انك أعتقته والآن أنت تسترقه ظلما ثم عقد البيع معه فالوجه انه بيع من جهة البايع لأنه ملكه وهو يدعي ملكيته واليد تشهد له ولا يلتفت إلى اقرار الغير عليه فكان بمنزلة ما لو باعه على غيره ويكون اقتداء من جهة المقر لاعترافه بالحرية وان هذا العقد ليس بصحيح حيث لم يصادف محلا قابلا له وهو أحد وجوه الشافعية والثاني انه بيع من الجانبين والثالث انه افتداء من الجانبين وهذا الثالث خطأ لأنه كيف يقال إنه استنقاذ في طرف البايع وكيف يأخذ المال لينقذ من يسترقه ويعرفه حر أيفتديه به بل لو قيل فيه المعنيان معا والخلاف في أن الأغلب منهما ما إذا كان محتملا على ضعف وأكثر الشافعية على أنه بيع من جهة البايع واما من جهة المشتري فوجهان أحدهما انه شراء كما في جانب البايع والثاني انه افتداء لاعترافه بحريته وامتناع شراء الحر مسألة إذا ثبت انه بيع من طرف البايع وافتداء من طرف المشتري لا يبطل خيار المجلس في طرف البايع بل يثبت له الخيار ما داما في المجلس وكذا يثبت له خيار الشرط لو شرط وان طال زمانه وهو أحد قولي الشافعية بناء على ظاهر مذهبهم من أنه بيع من جانبه ولو كان البيع بثمن معين فخرج معيبا ورده البايع كان له ان يسترد العبد بخلاف ما لو باع عبدا واعتقه المشتري ثم خرج الثمن المعين معيبا ورد فإنه لا يسترد العبد بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك واما المشتري فلا يثبت له خيار المجلس ولا خيار الحيوان لأنه ليس شراء في طرفه بل هو فداء ومن قال من الشافعية انه شراء في طرفه أثبت له الخيار وعلى الوجهين فلا رد له لو خرج العبد معيبا لاعترافه بحريته لكن يأخذ الأرش ان جعلناه شراء والا فلا أرش له وبهذا الثاني نقول وقال الجويني إذا لم يثبت خيار المجلس للمشتري ففي ثبوته للبايع وجهان لان هذا الخيار لا يكاد يتبعض وليس بمعتمد وقال بعض الشافعية لا يثبت للبايع خيار أيضا كما لو باع عبده من نفسه أو باع عبده على من يعتق عليه وقال بعضهم بثبوت الخيار للبايع في هاتين الصورتين أيضا وليس بجيد مسألة إذا حكمنا بالعتق في هذا العبد لم يكن للمشتري ولاؤه لاعترافه بأنه لم يعتقه ولا للبايع لأنه يزعم أنه لم يعتقه فيكون موقوفا ولو مات العبد وقد اكتسب مالا فإن كان له وارث بالنسب فهو له والا فننظر ان صدق البايع المشتري رد الثمن وان كذبه وأصر على كلامه الأول قال بعض فقهائنا للمشتري ان يأخذ منه قدر ما دفعه ثمنا إلى البايع لان المشتري إن كان كاذبا فجميع كسبه له لأنه مملوكه وإن كان صادقا فالكسب للبايع إرثا بالولاء وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظفر بماله كان له ان يأخذ منه حقه وهو قول المزني وظاهر مذهب الشافعي انه يوقف المال بأسره كما كان الولاء موقوفا واضطرب أصحابه فقال بعضهم قول المزني خطأ لان المشتري لو أخذ شيئا فاما ان يأخذ بجهة انه كسب مملوكه وقد بان انه حر باقراره أو بجهة الظفر بمال ظالمه وهو ممتنع لأنه انما بذله فداء تقربا إلى الله تعالى باستنقاذ حر فيكون سبيله سبيل الصدقات والصدقات لا يرجع فيها ولا يدري انه يأخذ بجهة الملك أو بجهة الظفر بمال ظالمه فيمنع من الاخذ إلى ظهور جهته وأكثر الشافعية على ما قال المزني وقال جماعة منهم ان الشافعي ذكر ما قاله المزني أيضا وانما حكم بوقف الزايد على الثمن وقف الولاء واما المستحق بكل حال فلا معنى للوقف فيه ويجوز الرجوع في المبذول فيه على جهة الفدية والدية كما لو فدى أسيرا في يد المشركين ثم استولى المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله اخذه واختلاف الجهة لا يمنع الاخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق كما لو قال لي عليك الف ضمنته فقال ما ضمنت شيئا ولكن لك علي الف عن قيمة متلف والأصح الثبوت وقطع النظر عن الجهة مسألة لو استأجر العبد الذي أقر بحريته بدلا عن الشراء صح العقد بالنسبة إلى المؤجر وكان له المطالبة بالأجرة ولا يحل للمستأجر استخدامه والانتفاع به فان استخدمه وجب عليه دفع أجرة المثل إليه ولم يكتف بما دفعه إلى المؤجر ولو أقر بحرية جارية الغير ثم قبل نكاحها منه لم يحل له وطؤها الا برضاها بما عقد عليه مولاها وللمولى مطالبته بالمهر وعليه مهر اخر ان أجازت نكاحه ولو قال لزيد العبد الذي في يدك غصبته من فلان وأنكر زيد فالقول قوله فان اشتراه فالأقرب صحة العقد كما لو أقر بحريته ثم
(١٥٠)